منظومة النيليين .. في حضرة سلام جوبا بقلم/ الطاهر أبوجوهرة
اليوم سيوقع السلام وستقف الحرب .. ولو جزئيا .. في اهم طرفين من أطراف البلاد .. دارفور .. والنيل الازرق .. وهذا يعتبر تقدما جيدا طالما انه على الأقل يوقف نزيف شرايين جزءا كبيرا من السودانيين .. إلا أننا نشاهد كالعادة من يرفض هذا السلام ويشيطنه من الان قبل ان تبدأ بلورة تفاصيله على أرض الواقع ، بل يتشاءم بسبق وإصرار وترصد بأنه لن يعالج الاشكال ، وإذا سألتهم ما البديل تجدهم في حالة صمت .. واحيانا .. يقدمون مبررات فضفاضه بان يكون السلام شاملا الحلو وعبدالواحد وإلا سيصبح لامعنى له ولاقيمة .. فهم لاتعنيهم ولاينظرون على الاقل لكمية الدماء السودانية التي ستوقفها وثيقة جوبا .. صحيح.. جزء من أبناء الهامش لديهم موقفا من سلام وإتفاق جوبا الموقع باعتبار انه لم يخاطب او يضع تفسيرات لكيفة علاج الاشكال في مناطقهم وفقا لرؤيتهم الخاصة .. بجانب هؤلاء هناك رافضون لمبدأ وجود اتفاق أصلا لاعتبارات جهوية ، مقرونة بتخوفات من هذا الوعي الذي ضرب الهامش في إطار المطالبة بالحقوق .. هذه الفئة التي نسميها هنا بالمنظومة النيلية .. وهي مجموعة من أبناء الشريط النيلي ظلت تتحكم في مصير ومسار القرار وملحقاته بالبلاد باسم سكان مناطق الشريط النيلي بتخويفهم من خطورة حكم إنسان الهامش ، ولتحقيق ذلك لا تهمهم كمية الأطنان من الدماء السائلة والحريق بتفاصيله المزعجة طالما تداعياته بعيدة عن مركز القرار .. انتباه .. حتى نمسح الغباش الذي ربما يطرأ عند البعض .. فلابد أن نشير هنا أننا نعني بالمنظومة النيلية ( بعض النخب من أبناء الشمال والشريط النيلي ظلوا يرسمون ويشكلون ويتحكمون في مسار القرار السياسي والإداري بالبلاد منذ الاستقلال بعيدا عن مشاركة الآخر بحجج ودواعي كثيرة أقلها أنهم يصورون لسكان الشريط النيلي من ذويهم بان حكم السودان تحتم ضروريات الواقع والمستقبل والماضي بان يكون تحت اشرافهم مطلقا، بغية ضمان البقاء والحماية ، مستفيدين من بعض التجاوزات التي وقعت في بعض الحقب من تاريخ البلاد السياسي التي دفع فيها انسان الشريط النيلي فاتورة حكم الهامش خاصة فترة حكم الخايفة عبدالله التعايشي ) .. فهذه المجموعة الانتهازية هي التي تشرف على حملة تبخيس لما تم في جوبا وتصويره بانه سلام لايطفئ نارا .. وذلك .. تمهيدا لنسفه لاحقا ليلحق برصفائه من لدن اتفاقية الخرطوم للسلام مرورا بابوجا وبقية اتفاقيات سلام المتجزئة .
. والغريب في الأمر هذه المجموعة النيلية هي التي أشرفت على توقيع العشرات من اتفاقيات السلام في إطار حرب الجنوب ودارفور وصل الأمر بتوقيع اتفاق مع أشخاص فضخموه بينما الآن يعترضون على اتفاق جوبا لأنهم اصلا لايرغبون في سلام دائم لأطراف البلاد وفقا لتصورهم الرامي للتحكم في المسارات بان تبقى هذه المناطق ملتهبة دائمآ .. فهي تملك خبرات طويلة في قتل الاتفاقيات من أبوجا الي سلام دارفور الذي وقع بالدوحة .. هذه الفئة هي التي يجب أن يحاربها الشعب السوداني مجتمعا في مقدمته سكان الشريط النيلي لأنهم يستغلونهم ويخوفونهم من حكم الهامش والمؤلم بجانب كل ذلك لم يقدموا شيئا لمناطقهم بل جزءا من هذه المناطق النيلية نجدها أكثر تهميشا وعناء ، ولذلك سميناهم بالانتهازيين في مقدمة المقال .. أخطر ما في تصور هذه المجموعة الانتهازية انها ضد إي عملية تخلق تحول ديمقراطي صادق بالبلاد وعندها قيام انتخابات حرة نزيهة دونه خرط القتاد ويعتبر خط احمر ، لأنهم يصورون للبسطاء بان أي انتخابات عادلة ( بحكم اكثرية سكان الهامش ) ستحول مسار الحكم ناحية الأطراف وهذا مرفوض عندهم اصلا .. مع الملاحظة المهمة ان رفضهم للعملية الديمقراطية يتفق مع أهواء بعض الأقطار في العالم العربي التي يتحكم فيها الحكم العشائري الذي لايرغب في وجود إي عملية ديمقراطية من حوله خوفا من اإلتقاط شعوبها للفكرة ، ولذلك نجد هذه النخب النيلية تحظى بدعم هذه الحكومات العشائرية وهذا مربط الفرس وبالتالي هم الآن لايرغبون في إجراء يقود البلاد لتحول ديمقراطي سليم .. نعم .. صحيح ..
كثير من المهتمين بالشأن السوداني .. بجانب أهل الشفافية والوضوح من المتخصصين في عمق الاشكال .. يرون جميعهم .. ان اس أزمة السودان يكمن في سوء التفاهم القائم تاريخيا لأسباب نفسية متفاوتة بين شمال السودان وغربه وبعض مكونات الهامش .. هذا التباين ألغى بظلاله على مسار العملية السياسية منذ الاستقلال .. قلنا تباين نفسي لان انسان هذه المناطق اصلا ليس لديهم اشكال على مستوى التعامل الشخصي والفردي بل نجد بعض العلاقات تطورت ووصلت حد التزاوج والتصاهر ولكن يظل الاشكال على المستوى الجماعي والوطني قائما.. وهذا الإختلاف النفسي هو الذي يتحكم في مسوغات شكل التداعي وتطور الأحداث بالبلاد خاصة الاطراف .. هذا التباين الخطير يحتاج لمواجهات وطنية صادقة وتجرد .. نعم .. السياسيون الآن ..ونعني أصحاب الحياء السياسي يسمونة تجملا الصراع بين الهامش والمركز ولكن في الأصل هو صراع بين النخب النيلية الشمالية وأبناء الهامش في إطار المطالبة بالتقسيم العادل للثروة والسلطة والأشياء التي صارت حكرا لابناء الشمال بتدبير من المنظومة النيلية التي عرفناها سلفا .. صحيح .. ربما البعض يستهجنون ويعافون مثل هذه الصراحة والتجرد في التشخيص ولكن واقع السودان الآن باستحضار كل منعطفاته وراهنه يؤكد أننا على شفا خيارين تحقيق سلام عادل او حرب أهلية والاعازة بالله ، وهذا مايتطلب ان يتحدث الناس بلا مساحيق لإنقاذ قادم البلاد .. حقيقة .. ونكرر .. ليس كل أبناء الشمال النيلي متورطون ، بل هناك نخب نيلية باسم حماية السلالة ظلت تبتز مسار العملية السياسية وتسخر عائداتها لمصالحهم الخاصة وفي نفس الوقت تخيف الغالبية من اهل الشمال والشريط النيلي بان انسان الهامش خاصة غرب السودان لايحمل خيرا تجاههم ويعللون بتجاوزات قيل ارتكبها التعايشي بعد حكمه للسودان بعد وفاة المهدي .. وهذه المنظومة ذات نفوذ واسع .. يبدوا انها هي التي ظلت تختار مواصفات رئيس السودان ، وربما بأن يكون مؤمنا ببرنامجها ، ولقد رصدت المتابعات او التوثيقات لبعض الررؤساء خاصة البشير الذي سجلت له تصريحات خاصة تحمل ابعادا عنصرية وهذا ماعكسته بعض شعارات الثورة ( ياعنصري يامغرور كل البلد دارفور ) وهذا اخطر شعار سياسي يطلق بشفافية على الهواء مباشرة في سياق استعاري باطلاق الجزء وإرادت الكل .. ولكن بعد نجاح الثورة لم تحرك بوصلة التهميش ساكنا مايعني ان المنظومة النيلية حاضرة في دفتر توقيع الثورة .. المزعج في الأمر .. أن هذه المنظومة لديها أزرع فعالة في كل التنظيمات السياسية وحتى اعتقال الدكتور علي الحاج الأمين العام للمؤتمر الشعبي يرى بعض المحللين ان وراءه ازرع المنظومة النيلية التي تدرك تمام مقدرات الدكتور في إطار رؤيته لإدارة بعض الملفات الوطنية بطريقة تتعارض تماما مع أصول مشروعهم .. فهذه المنظومة هي اس البلاء النازل .. ولطالما القضية الأساسية الآن كيفية توزيع مكونات السلطة والثروة بالبلاد ، نجد المنظومة النيلية تفكر في حتمية السيطرة على أدوات ومنابع الثروة والسلطة بغرض الحماية بجانب ترك او تقديم تنازل عن بعض اطراف مواعين السلطة في إطار التغطية ورفع الحرج ليستوعب بها من يمثلون أبناء الهامش ويتم الاختيار هنا بعناية حددت لها موصفات مسبقا أهمها ان يكون المرشح للموقع من أبناء الهامش لايحمل هما لأهله او منطقته بل تكون شخصية ذاتية ضعيفة سهلة القيادة تبصم على الموجهات ، وهكذا يقدمونه في الإعلام باعتبار انه يمثل الهامش ولكن عمليا يعتبر مكملا وممكنا لتصورات وبرنامج المنظومة .. يجب أن ننتبه مرة اخرى ان هذا السلوك لاعلاقة له بإنسان الشمال الجغرافي الأصيل بل تصورات مجموعة محدودة من أبناء الشمال النيلي نصبت نفسها كحارس للبوابة بحجج واهية وجدت ضالتهاعند بعض البسطاء من العامة .. وهكذا تبلورت ملامح الأزمة أزمة احتكار السلطة وتهميش الأطراف منذ الاستقلال فتفجرت حرب الجنوب التي انتهت بالانفصال ثم النيل الازرق ودارفور وكل هذه الحركات كانت ومازالت تنادي بالمساواة والعدالة .. خلال هذا المشوار نجد كثير من الاتفاقيات للسلام وقعت اجهضتها المنظومة النيلة التي تريد ان تكون الاطراف ملتهبة دائما في اطار الاضعاف وصرف الانظار والتطويع والمساومات .. نجدها .. هذه المنظومة النيلة .. ظلت تتحكم في مصير وشكل الواقع بالبلاد وقولبته وخلطه فهي الداء الحقيقي الذي يجب ان يحاربه ابناء الشمال قبل أبناء الهامش لانها افسدت مجريات العملية السياسية وقادت السودان لهذا المنعطف الخطير ومازالت .. افسدت كل شئ .. مزقت النسيج الاجتماعي في كل السودان .. وفجرت واصلت لروح العنصرية والجهوية لحماية مصالحها او كما قال الاستاذ علي عثمان محمد طه عندما ساله احد المسؤولين الولاة السابقين لماذا اشعلتم نار الجهوية والقبلية فكنت اجابته صادمة ( لكي نحمي المؤنمر الوطني ) ليبقى السؤال هل حمت الجهوية المؤتمر الوطني ؟! بل رمت بقياداته خلف القضبان معلقة باعناقهم جميع تهم الفساد ، التهم التي كان أعضاء المنظومة النيلية في النظام البائد لهم فيها نصيب الأسد .. قلنا هذه المنظومة اتلفت ضمير الشعب السوداني .. فهي التي خلقت هذا الظلم والحال في الوظائف المركزية .. فهي التي جعلت بنوك السودان ونواة اقتصاده تحت سيطرة ابناء الشمال توظيفا وقيادة في اطار التحكم في المسار الاقتصادي مما حرك سواكن ابناء الهامش المتعلمين خاصة الذين درسوا الاقتصاد وحملوا فيه درجات عليا .. وهي التي جعلت شاشات التلفزيونات بالبلاد تطعن القومية السودانية في مقتل .. وهي التي فصلت جنوب السودان في اطار خطتها لتقليل سعة الصوت الاخر الانتخابي مستقبلا .. وهي التي عطلت وافسدت كل إتفاقيات السلام .. وهي التي خصخصت كل المشاريع والأصول الوطنية .. وهي التي قسمت الحركة الاسلامية في السودان عندما شعرت أن الشورى والانتخابات وفقا للنظام الأساسي الجديد هي التي تحدد شكل التكليف داخل مواعين التنظيم الحاكم وقتها .. وهي التي اوصلت دارفور الي هذه المرحلة من التمزق حيث منحت بعض القبائل السلاح وحرمت بعض القبائل او جردتها منه .. وهي التي ظلت تسيطر على توجه الخطاب الإعلامي للدولة وتشكل الرأي العام وفقا لمسار أجندتها .. وكل ذلك بتخويف إنسان الشمال البسيط بأنه مستهدف من قبل الهامش .. فهذه المنظومة النيلية همها ذاتي صرف ، تلعب على وتر التباين لتحقيق اهداف لم يكن من بينها بناء كتلة السودان المجتمعية بل التمزيق .. وهي التي افرغت الضمير السوداني من أصوله وسماته ومحتواه فالآن مالم يعرف الشخص من أين انت من اجزاء البلاد فلم يتحدث معك مطمئنا .. فهم يستخدمون كما ذكرنا فوبيا التخويف لانسان الشريط النيلي المغلوب على امره المهمش اصلا … حقيقة .. أننا .. في الجانب نفسه نجد مناطق في شمال السودان تعاني وتفتقد لابسط مقومات الحياة والخدمات .. قف .. للموقف حكاية .. في العام الماضي تقريبا سمحت لنا السانحة بزيارة عرضية للشمالية .. بالضبط .. لمنطقة قوز الحاج شمال شندي .. نزلت تحت ضيافة اسرة محمد خرشد وفقا لعلاقات تاريخية بدات من منطقتنا المرابيع بالنيل الابيض وامتدت الي هناك دار الجعليين .. كرم واحترام وكفى .. نعم .. قوز الحاج تحمل كل مظاهر الظلم والتهميش والاهمال .. اتذكر .. في ذلك اليوم اصيب ابن صديقي محمد خرشد بحمى عارضة فقرر ان ياخذه الي المركز الصحي الذي يبعد مسافة كيلو تقريبا .. كان لابد ان اذهب معه اخلاقيا كواجب ومعنويا كي اتعرف علي المنطقة .. اندهشت .. عندما سمعت ( شيلوا في حمار فلان ) .. لكن لسبب ما قرر صديقي بحمل ابنه علي كتفه .. قاسمته المهمة .. سرنا في شوارع ضيقة ملتوية او قل ازقة .. محزن .. ليس هناك مركزا صحيا بالمعنى المتعارف عليه .. قل اوضة امامها عريشة .. والمؤسف لم نجد المساعد الطبي .. رجعنا علي امل ان يحضر له غدا الدواء من شندي .. في عصرية اليوم الثاني تجولت لوحدي في المنطقة .. مجمل ما خرجت به رايت الحرمان في كل شئ ، خاصة المدرسة لاسور لاشبابيك وسبابيير محفرة .. هنا تذكرت مقولة الراحل جون قرنق لاهل الشمالية عندما زارهم هناك ( مشكلتكم ماعندكم غابة ) .. اذن .. طالما هنا اهمال وعناء وهناك يشكون التهميش اين الاشكال او قل من المجرم الذي فصل للبلاد هذا الثوب الكريهه .. غرابة .. جلابة .. وهم سوقه الانتهازيون هنا وهناك لتحقيق اهداف شخصية ذاتية لا علاقة لها بالتنمية والعدالة وتقاسم الموارد والسلطات .. جلابة ..
غرابة .. هكذا تقول شواهد الازمة .. انه صراع موروث تتحكم فيه بوصلة المنظومة النيلية .. ربما .. او تاكيدا .. تديره المخابرات منذ امد بعيد جدا بهدف استثماره لاحقا .. .. وإلا .. كيف نفسر انتقال هذا الداء متخفيا طوال تاريخ البلاد ياخذ زروته كلما لاحت في الافق ازمة أو سانحة للبناء والتسوية .. اذن .. البلاد تمر اليوم بمنصة الاحتفال بتوقيع السلام بجوبا وهذا أمر ندعمه ونتفاءل به ولكن لابد من ان ينتبه الناس لنوايا منظومة الشريط النيلي التي بدأت تتحدث عن استحالة تطبيق بنود هذا الاتفاق دون أن تقدم تفسيرا موضوعيا لأسباب استحالة هذا التطبيق ..
التعليقات مغلقة.