الأبواب المغلقة (البلطجية )..و أعداء السلام !! بقلم / محمد علي محمد

لقد إبتهج الشعب السوداني بالتوقيع على أتفاقية السلام الشامل ، بين الحكومة الإنتقالية و حركات الكفاح المسلح السودانية ، و حق للشعب السوداني الإبتهاج لأن السلام يمهد لمصالحة وطنية شاملة في الفترة القادمة ، لأن الثورة التي حدثت في السودان و تغيير نظام البشير ، لم تقتصر في إزالة النظام القائم وقتذاك ، بل كانت ثورة ضد المنظومة السياسية السودانية كلها بتنظيماتها و أحزابها المختلفة بالرغم من محاولة إجهاضها مرات كثيرة ، و بالرغم من تعدد بواعثها المباشرة ، كانت تعبر بوجه او أخر عن فجوة جيلية في الرؤى و المفاهيم في الواقع الإجتماعي الذي يعيشه الشباب السوداني ، و تذمره من الإساليب التي كان يتعامل بها الجيل المهيمن على هذا الواقع حتى لحظة كتابة هذه السطور .
و ما لم تكن هنالك رؤية سياسية قومية وطنية صادقة تلبي تطلعات و رؤى الشباب الذين خرجوا الغير منتمين سياسيا و الذين خلعوا ثيابهم الحزبية ، هذا يعني إستمرارية محاولاتهم الجادة في التغيير الحق و لقد بدأت الثورة اجتماعيا من داخل البيوت و الأحياء و القرى و الولايات ، و الأن تبدا سياسيا من داخل الأحزاب و التنظيمات السياسية المختلفة، لهزيمة البلطجية المتأمرين و المتقزمين، و جهلة و أدعياء السياسة ، المقاومون للتحول السياسي داخل الأحزاب ( أعداء السلام التنظيمي )و التحول الديمقراطي في السودان .
كان المشهد متكررا عصر كل يوم بعد نهاية اليوم الدراسي ، يتجمع التلاميذ او الطلاب للعب مباراة في كرة القدم ، تقوم الحقائب المدرسية فيها مقام المرمى ، و يحدد خط متعرج – و أحيانا خط وهمي – حدود الملعب . ما أستوقفني دائما منذ تلك الأيام ، هو بروز عناصر ثلاثة رئيسية تتحكم في مسيرة و مصير المباراة ، هذه العناصر هي صاحب الكرة ، و أكثر التلاميذ إتقانا لمهارات اللعب – و كنا نطلق عليه ( الحريف) – ، و العنصر الثالث هو البلطجي . و سوف أفسر ما أقصد من خلال شرح كل دور منهم .
يتحكم الطالب صاحب الكرة منذ البداية ، و يلتف حوله معظم التلاميذ او الطلبة في محاولة منهم لإقناعه بالبقاء للعب مباراة ، هو يتمنع لأنه يعرف أنه وحده في هذه اللحظة ، من يملك أن تكون هنالك مباراة أو ينفض الجميع ، و هم يعلمون ذلك أيضا ، و تبدا مساومته بأن يعطي الحق في أن يختار هو أعضاء فريقه و سوف يكون هو بالضرورة ( كابتن) هذا الفريق ، و هنا يدخل العنصر الثاني ( الحريف) الذي هو ثمن بقاء زميلنا صاحب الكرة ، و تتدخل بعض العناصر لإقناع ( الحريف) باللعب مع صاحب الكرة حتى لو كان لا يتقن اللعب ، فهذا هو ثمن إقامة المباراة ، و يقبل ( الحريف) على مضص مشترطا أن يكون له الحق في تدعيم الفريق بمن يرى من عناصر .
تبدا المباراة ليفاجأ الجميع – كل مرة – بأن هنالك من يدخل وسط الملعب مفسدا المباراة ، معلنا ببرود و ثقة و جلافة ( فيها او نخفيها) ! أي إما أن أشارك في المباراة أو أخفي و أنهي هذه اللعبة ، و هذا بالطبع هو العنصر الثالث البلطجي بين الطلبة ، الذي لا يتمتع إلا بجهل باين قادر بها على أن يفسد المباراة من دون أن يملك أحد التلاميذ ايقافه ، لذلك يتم البحث لحظتها بسرعة عن أضعف التلاميذ شخصية و يطلب منه الأخرون أن يترك مكانه للبلطجي ليشارك في اللعبة حتى لا يخفيها .
هذه صورة من الذاكرة عن أيام طفولة أظن كثيرين منا أدركها أو عاشها أو شاهدها تقع أمامه . بالنسبة لي تمر أمامي هذه الصورة مع إختلاف بسيط مرات عدة عند متابعتي لأسلوب إدارة بعض الناس لعلاقاتهم ، سواء علاقات داخل القبيلة من خلال المؤسسة التنظيمية و السياسية ، أو من خلال علاقاتهم البينية ، أي التنظيمية – التنظيمية . هذه الحالة تصلح لأن تكون سبب مقنعا لي لإستحضار تلك الصورة القديمة المتكررة بين الصبية او التلاميذ – فيما أظن حتى الأن – و المتكررة في حياتنا السياسية ايضا حتى الأن .
أظن أنه منذ البداية لو أدرك صاحب الكرة أنه إذا ما امتنع و تحكم فأن اللعبة ستفسد ، و بالتالي سوف يفقد هو أيضا إمكانية المشاركة . و لو عرف التلاميذ او الصبية أنهم لو وقفوا موقفا واحدا لفرضوا شروطهم سواء على صاحب الكرة ، أو على البلطجي الذي يحاول إفساد اللعبة .
ممارسة بعض ادعياء السياسة و جهلة هذا القرن أعادت بقوة تلك الصورة الصبيانية إلى الذهن .
كان هذا مقبولا عندما كنا صبية ، و لكن هذا لم يعد مقبولا الأن ، خاصة أن اللعبة تجاوزت حدود لعبة كرة القدم داخل ملعب حدوده وهمية ، و باتت الأن لعبة مصير شعب في عهد جديد .

التعليقات مغلقة.