(الجنوب الجديد) … وحدة أم إنفصال ..؟! بقلم : إبراهيم عربي
رغم تبريرات دعاته ، إلا أن التلويح بتقرير المصير يظل بعبعا مخيفا لدي دعاة الوحدة ، فالتاريخ الحديث يؤكد أن كافة الدول أو المناطق التي طالبت بتقرير مصيرها ، قد صوتت للإنفصال بنسبة عالية ، ودوننا جنوب السودان ، ومثلهم الأكراد في العراق وإقليم كاتلونيا الإسباني .
ولكن ماذا تقصد الحركة الشعبية – شمال (الحلو) من التلويح بتقرير مصير المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) والذي إشترطت له (فصل الدين عن الدولة) ؟ وماذا يقصد الحلو ب(الجنوب الجديد) ؟!.
بلاشك أن تلويح عبد العزيز الحلو ب(الجنوب الجديد) في هذا التوقيت مزعج جدا لدعاة الوحدة ، لاسيما عقب توقيع الرجلين (الحلو وحمدوك) علي إتفاق مبادئ بأديس ابابا تنازل فيه الحلو عن العلمانية ، وتمسك بالتفاوض علي (فصل الدين عن الدولة) وإلا في حالة الفشل (تقرير المصير) .
مع الأسف ليست تقرير مصيرالمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) لوحدهما فحسب ، بل تقرير مصير أقاليم السودان (الثمانية) حسب مقترح الحركة الشعبية – شمال (الحلو) لتمرير أجندة محمد جلال هاشم (بتاع كوش) ومحمد يوسف المصطفي (بتاع تجمع المهنيين) ، (الدكتوران المثيران لللجدل) اللذان أمتطيا ظهر النوبة عن غفلة يتحملها الحلو ، قالا (العلمانية وإلا تفكيك السودان طوبة طوبة) !.
غير أن الحلو وضعها علي المكشوف عند مخاطبته من علي البعد ندوة سياسية بالعباسية تقلي بجنوب كردفان 11 سبتمبر 2020 ، الندوة تلك كانت تحت عنوان (تحديات السلام الشامل) ، خاطبها الحلو قائلا (أن مطالب الجنوب الجديد المقصود يتطابق مع أو ذات المطالب التي سعى جنوب السودان لتحقيقها من أجل الوحدة العادلة والتي لم يستجاب لها) .
وبل قال رئيس الحركة الشعبية – شمال (الحلو) ، أن النخب الحاكمة استغلت الدين والجهوية سياسياً وإستخدمت شعوب الهامش (دارفور، جبال النوبة ، الفونج ، البجا) في حربها ضد الجنوب حتى إنفصاله ، وإكتشف هؤلاء أن الجنوب نفسه ذهب ضحية مثلهم من قبل نخب المركز .
قال الحلو ولذلك إنضم النوبة الى الحركة الشعبية في 1984، والفونج فى 1985، وحمل البجا السلاح في 1995، وأخيراً دارفور 2002 ، مثلما إنطلقت بالمركز إنتفاضات (أكتوبر 64 ، أبريل 85 ، سبتمبر 2013 ومن ثم ديسمبر 2018) .
إذا ماذهب إليه كمندر الحلو في حديثه يؤكد بأن (نية الإنفصال مبيتة) وإنها الكفة الراجحة علي نهج دولة جنوب السودان وهي الوسيط في المفاوضات السودانية التي تحتضنها حاضرتها جوبا ، ولكنها نية مشروطة عند الحلو ب(فصل الدين عن الدولة) .
ولذلك أعتقد جاء إتفاق (الحلو وحمدوك) بأديس أبابا مشروطا ، خلافا لرفاقه أصدقاء الأمس أعداء اليوم (عقار ، جلاب ، عرمان) الذين يطالبون بالحكم الذاتي للمنطقتين علي أساس دستور السودان 1973 المعدل 1974، راهنين قضية تقرير المصير للمؤتمر الدستوري قبل نهاية الفترة الإنتقالية بإعتبارها قضية خلافية .
فيما قال القائد تلفون كوكو أبو جلحة الذي يتخذ من جوبا مقرا له في وضع (يكتنفه الغموض)! وهو من أوائل قادة (كمولو) التي إنضمت للحركة الشعبية (يوسف كوة ، عوض الكريم كوكو ، يونس أبو صدر ، دانيال كودي ، يوسف كرة ، تلفون كوكو ، مالك عقار ، عبد العزيز الحلو) ، قال أبو جلحة إنهم في جبال النوبة حاربوا المركز لقضايا التنمية والخدمات وقسمة السلطة والثروة وليس للإنفصال ، وبل ذهب الرجل أبعد من ذلك في رده علي الدكتورين المثيرين للجدل .
غير أن المتابع لملابسات إندلاع الحرب في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ، يجدها إندلعت في الأولي بسبب فشل الحلو الفوز علي إبن خالته أحمد هارون للظفر بمقعد الوالي فيها عبر صندوق الإنتخابات وعدم حصول الحركة الشعبية علي العضوية الكافية التي تؤهلها تشريعيا لإتخاذ (القرارات المصيرية) حسب قولها ، فيما إندلعت في الثانية والتي فاز فيها مالك عقار واليا علي إبن جلدته الدكتور فرح العقار متقلدا منصبه واليا للنيل الأزرق ، إندلعت فيها بسبب فشل الحركة الشعبية تنفيذ المشورة الشعبية لصالح أهدافها ، وليست الحكومة المركزية بذاتها مبرأة من لعب ذات الدور القذر لمحاولتها نزع سلاح الجيش الشعبي (ذراع الحركة الشعبية العسكري) في التوقيت الخطأ في تلك اللحظات بالقوة .
ولكن أعتقد كانت جميعها مجرد (سبوبة) لفشل الحركة الشعبية في الوصول لأهدافها من خلال التشاكس الذي أعاق تنفيذات إتفاقية السلام الشامل (2005 – 2011) والتي فشلت لا سيما في تطبيق برتكولي المنطقتين وفقا للأهداف الكلية للحركة الشعبية من (المشورة الشعبية) والتي سماها الدكتور جون قرنق (جنا إنفصال صغير .. في حاجة للرعاية) ، فلا أدري هل جاء الوقت وقد بلغ الطفل الحلم ؟!.
علي العموم ستنطلق المفاوضات قريبا بجوبا ، وقد أكدت الحركة الشعبية – شمال (الحلو) جاهزيتها بناء علي مخرجات (الإتفاق الإطاري) بين (الحلو وحمدوك) ، بينما دعت جوبا للتوقيع النهائي للسلام بين (الحكومة والجبهة الثورية) في الثالث من إكتوبر المقبل ، وربما هنالك إتفاقا سريا تم بين (الحكومة والحلو) ، وربما ضمنت جوبا لساعدها الأيمن وجنرالها المدلل (الحلو) الإنفصال وربما الوحدة لأجل السلام ، علي كل نأمل أن تمضي المفاوضات إلي غاياتها لأجل تحقيق سلام شامل يوقف الحرب في السودان بصورة نهائية ويحقف الإستقرار في البلاد .
عمود الرادار … الخميس الأول من إكتوبر 2020 .
التعليقات مغلقة.