(شمال كردفان) … إدارة الأزمات ..! بقلم : إبراهيم عربي
أزمة الخبر في شمال كردفان ليست وليد لحظة ، إنها أزمة مركبة قديمة متجددة ظلت تعانيها كافة حكوماتها المتعاقبة (المدنية منها والعسكرية) ، وكان يتم حلها بتضافر الجهود المشتركة (الحكومية والشعبية) بصورة تضمن للجميع حقوقهم (الحكومة ، المجتمع ، القطاع الخاص) ، وقد أثبتت التجارب العملية أن المشاركة في صنع القرارات وتنفيذها معا في شمال كردفان من أنجح وأفضل الطرق لإدارة الازمات فيها .
وليس بعيدا عن ذلك فإن شمال كردفان من الولايات ذات الأزمات المستفحلة بسبب الجفاف والتصحر التي إقترنت بإسمها ، وبالتالي أصبحت من الولايات التي تشكو أزمتي (المياه والغذاء) ، وتتطلب حلولها خطة منهجية علمية ، وضعت لها الوثيقة الفنية والتي أعدها خيرة الخبراء والأكاديميون لمشروع نفير النهضة ، اعدوا لها خطة ممرحلة لمعالجة تلكم المشاكل المتجزرة .
غير أن الخطة توقفت بسبب إيقاف مشروع نفير النهضة بسبب قصر نظر فئة تسلطت علي قيادة الولاية حين غفلة من الزمان ، ولكنها بذاتها كانت أزمة طارئة ألحقت الأذى بأهل شمال كردفان فشلت دونها حكومة الجنرال محمد الخضر ، وستظل وزرا للمحاسبة لها أوانها !، ولذلك ستظل الولاية تشهد المزيد من الأزمات المتتابعة الطارئة منها والمستفحلة بسبب التخبط والعشوائية في إدارة الأزمات .
المتابع يجد أن مشكلة الخبز قد إستفحلت في البلاد بصورة عامة ، فشلت دونها الحكومة الإنتقالية لا سيما وزارة الصناعة والتجارة والتي تركت الحبل علي القارب لولاة الولايات للإهتمام بمعاش الناس ، ولكل من الولايات ظروفها ، وبالطبع لكل من الولاة طريقته واسلوبه وفنونه في إدارة الأزمة في ولايته ، ولذلك تباينت الأزمة من ولاية لأخري .
وبالنظر للأزمة في شمال كردفان أعتقد أن واليها خالد المصطفي قد فشل في معالجة ازماتها لا سيما مشكلة الخبز فيها ، وكانت تتطلب الحكمة والمشورة لإستحداث أساليب غير تقليدية لتوفير الغذاء في ظل النقص العام الحاد في الدقيق بالبلاد، ربما جاء الفشل بسبب منهج الوالي في إدارة الولاية بأحادية القرارات بصورة دكتاتورية ، وربما بسبب قصر النظر وضعف الخبرة والإنكفاء علي نفسه ، وربما بسبب جشع التجار وطمع أصحاب المخابز، ، وربما بسبب فشل الحاضنة السياسية الحرية والتغيير (قحت) المنقسمة علي نفسها في الولاية ، ويؤكد بيانها الصادر الاحد أنها فاشلة وتفتقر لمنهج وأسلوب إدارة الأزمة .
علي العموم شمال كردفان ولاية يمسي مجتمعها ويصبح علي ثقافة المشاركة والجماعة (الضرا ، النفير، الفزع ، إغاثة الملهوف ، نصرة الضعيف) ، ولاية بها من الكفاءات التنفيذية والأهلية والشعبية بما يجعلها الأكثر قدرة علي تجاوز كافة الأزمات .
ولكنها ولاية في حاجة لقيادة ملهمة تضع الخطط لمجابهة الأزمات قبل حدوثها ، ومن ثم الإستعداد لها والتعامل معها بكفاءة وفاعلية لتجاوزها والتخطيط لاحتواء مثيلاتها عن طريق استيعاب نتائجها والإعتراف بأسبابها، ومن ثم التصدي لها بالشكل الذي يؤدي إلى التقليل من أخطارها .
ولذلك اعتقد أن الوضع الراهن الذي تعيشه شمال كردفان من أزمة في الدقيق قد ظلت تراوح مكانها منذ فترة في محلياتها المختلفة ، وقد تجاوز فيها سعر الرغيفة لأكثر من (15) جنيه ، فإذا ليست جديدة وأهلنا بالريف لا يعرفون للدقيق المدعوم طريقا ، لكن الجديد فيها أنها طالت هذه المرة حاضرتها الابيض ، وقد فشلت فيها معالجات حكومة الولاية القاصرة مما تسبب في تراكم الأزمة .
معلومات المصادر تؤكد أن البلاد مقبلة علي أزمة دقيق طاحنة خلال الفترة المقبلة وأن معدلات الأسعار ستتصاعد خلالها وربما يتجاوز سعر جوال الدقيق (7) آلاف جنيه ، وبما أن الأمن مسؤوليتنا جميعا ، وان تأمين الغذاء يعتبر المدخل الأساسي للأمن ، وبما أن توفير القوت ومهام معاش الناس من أولويات مهام وتكاليف الوالي ، بناء عليه وحفاظا علي ولايتنا من التفلتات وإختلال معدلات الأمن وتفشي الجريمة ، إذا لابد من الجميع التنازل لرؤية مشتركة تحفظ الحقوق لكافة الناس .
أعتقد أن الأزمة التي نشبت بين والي الولاية والمخابز التجارية ومحاولة كل منهم لي ذراع الآخر ، نراه ليس بالأسلوب الأمثل الذي يقود شمال كردفان لبر الأمان ، نحن (أمة الكردافة) جميعنا شركاء في هذه الولاية الأم ونتألم لما يصيب أهلنا فيها من مرض او جهل أو جوع أوعطش او مسغبة او ضنك ، لا سيما وأن البلاد مقبلة علي أوضاع غير مشرفة .
إذا فلابد من التخطيط بمنهجية وبصورة علمية لتخرج ولايتنا لبر الأمان ، ولذلك لابد مراجعات وتقديرات تجمعنا ولا تفرق بيننا (سياسيا ولا قبليا ولا مجتمعيا)، توحد ولا تشتت ، فالبلاد تبنيها سواعد ابناءها ، ونهمس في أذن الوالي خالد جهرا ، إنك واليا للجميع ، وليس من الحكمة معاداة شخص لا سيما أهل الإعلام والصحافيين خاصة ، فلا لتهميش أي شخص ، إجتمع بهم واسمع منهم إنهم أولاد بلد ! ، لهم ما عليك ، وعليهم ما لك !.
وبناء عليه نقترح تكوين لجنة مشتركة تحت إشراف الوالي لإدارة أزمة الخبز بالولاية من (الحكومة والمخابز والمجتمع والغرفة التجارية وآخرين) ، مهمتها توفير مدخلات صناعة الخبز وضبط المواصفات والمعايير وتحديد الأسعار وكيفية التوزيع ، بما يعود بالفائدة علي الجميع ولمصلحة الجميع .
عمود الرادار … الاربعاء 23 سبتمبر 2020 .
التعليقات مغلقة.