ستون خبيرا عربيا في تونس يؤسسون واقعا جديدا للغة الضاد

ماسة نيوز : وكالات

 

رغم أن اللغة العربية تعتبر من أبرز اللغات الرسمية في العالم، نظرا إلى اتساع انتشارها وعدد المتحدثين بها، ورغم ما لها من تراث هام استفادت منه البشرية في العلم والأدب والثقافة والفنون والفلسفة، فإنها تعيش واقعا غير متوازن، خاصة مع الأجيال الجديدة، وهو ما يدعو إلى وقفة عاجلة وتكاتف جهود مختلف الدول العربية.

كيف يمكن للعرب تحويل اللغة العربية إلى لغة عصرية وحية فعلا، لغة قادرة على استيعاب كل فكر جديد والتعبير عنه؟ وكيف يمكنهم تغذيتها بفكر عربي حي ذي بعد إنساني؟ وهل يمكن أن يكون ذلك دون تفاعل خلاق بين حيوية الجوار وحيوية الابتكار؟ وكيف يمكن أن تستعيد اللغة العربية الحياة الحق إذا لم يجرؤ الباحثون العرب على أن يشاركوا في البرامج البحثية الدولية ويسهموا في الشبكات المعرفية الدولية حتى تنسجم أبحاثهم مع الاهتمامات والحاجيات المتجددة للإنسانية مثل الطاقات البديلة والمحافظة على المحيط ومسألة المياه والتواصل الرقمي وحقوق المرأة؟

ويتواصل التساؤل اليوم كيف يكون ذلك إذا لم يعتمدوا المقاربات الجديدة المبنية على تعدد الاختصاصات والتي ثبتت قيمتها في تطوير المعرفة؟ وكيف يتم للعربية الانبعاث الحقيقي إذا لم يجتهد مثقفونا وباحثونا وعلماؤنا ويجرؤوا على أن يخطوا ما يبدعون وما يخترعون وما يكتشفون باللسان العربي بالإضافة إلى كتاباتهم بالألسن الأخرى؟

ثم ألا يمكن أن تنعتق اللغة العربية من ربقة الجمود والإهمال ومن حالة الوهن المزمن إذ جعلتها السياسة العربية شرطا لازما لفرص التشغيل والترقي الاجتماعي (وللعرب من الثروات ما يسمح بذلك)؟ وإذا حصل هذا وأجمع عليه أهل القرار ورسم السياسات قريبة المدى وبعيدة المدى فإنه يمكن الجزم بأن اللغة العربية ستصير محل عناية العرب وخاصة غير العرب. ولنا في تاريخ انتشارها التاريخي عند ظهور الإسلام ونشأة الدولة العربية وتوسعها أقوى دليل وحجة، إذ اكتسحت العربية كل المجالات بفضل غير العرب أساسا من ذوي العقول الفذة الطامحين إلى كسب المال والجاه وتبوء المنزلات الاجتماعية المرموقة والشهرة بين الناس.

قضايا لغوية
من هذه المنطلقات تتأسس فكرة تنظيم الندوة الدولية متعددة الاختصاصات “اللسان العربي وحوارية الجوار اللغوي” تحت شعار “بالعربية نحلق” والتي تستمر على امتداد ثلاثة أيام من السابع إلى التاسع من ديسمبر الجاري، والتي تنظمها جمعية منتدى قرطاج بالاشتراك مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) وجامعة تونس ومركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية وبدعم من مؤسسة تونس للتنمية ودار الكتب الوطنية ومخبر نظريات، نصوص ورقمنة (جامعة السوربون بباريس الشمالية).

تأتي الندوة في شكل مؤتمر دولي يشارك فيه ستون متدخلا، يمثلون الألكسو واليونسكو ومعهد العالم العربي بباريس إضافة إلى الأمين العام للمجامع العلمية واللغوية الرسمية بالبلدان العربية و27 أستاذا باحثا من الجامعات التونسية و16 أستاذا باحثا من الجامعات الجزائرية والمغربية والفرنسية والإيطالية والصربية و10 خبراء في تعليم اللغة العربية ومتفقدين في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي وعدد من طلبة الدكتوراه.

وتتمحور أشكال الندوة حول “العربية تاريخا ومصيرا” من خلال نظرة تاريخية لأوضاع العربية ومنزلتها بين التوسع والانحسار، و”العربية اليوم” في سياق تقييم مجهودات التحديث والتطوير في المنظمات الدولية والمجامع اللغوية وسياسات الجامعة العربية والألكسو والسياسات القُطْرية، كما نشهد توصيفا عبر البحث اللساني في تونس لواقع العربية مع التركيز خاصة على نقائصه. ويبحث المتدخلون كذلك في التداول اللساني العربي في المنظمات الدولية وأجهزة الإعلام العربية والدولية، ويناقشون مسألة العربية والترجمة عموما وترجمة المصطلحات خصوصا وقضايا وضع المصطلحات وتوحيدها وقياسها.

كما يتطرق المتداخلون إلى واقع تدريس العربية في المدارس الابتدائية والمعاهد الثانوية والمؤسسات الجامعية في ضوء الطرائق المناسبة ومناهج التدريس الملائمة، والعربية الفصحى في صلاتها باللهجات المحلية المهجنة باللغات الكبرى الإنجليزية والفرنسية بين التأثر والتأثير، ووسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي وأثرها في الفصحى، وتقدم أيضا للنقاش قضية اللغة العربية والبرمجيات من أجل رقمنة العربية ومعالجتها آليا وتوطينها في شبكة الإنترنت، مع طرح أسئلة من بينها “ما العمل حتى تصير العربية لغة الحياة والعلم؟” و”كيف يمكن المصالحة بين اللغة العربية ومستخدميها في مختلف وضعيات التواصل؟”.

وبحسب ورقة الندوة، فإنه لا شك في أن المكانة التي أصبحت تحظى بها اللغة العربية من جهة ترتيبها الدولي بين الألسن في العالم (الرابعة وهي لغة رسمية في المحافل الأممية) وصلتها بمجالات الإعلام وعالم الأعمال والرهانات الكبيرة التي يعلقها عليها الناطقون بها ومتعلموها من الناطقين بغيرها، لا تتناسب مع حالتها الراهنة المتردية في مواطنها العربية والمتمثلة في محدودية استعمالها وقلة تفعيلها في كل مجالات التعامل الإداري وفي الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتربوية وفي البحث العلمي. وهذه مفارقة يحسن الوقوف عليها وتطارح الأفكار بشأنها.

مقترحات عملية
◙ الندوة تطرح عددا من المقترحات العملية التي من شأنها أن تحسن مكانة اللغة العربية في تونس والعالم العربي

كيف للغة حية أن تكون لسانا بارعا في الأداء في المحافل الدولية الكبرى وفي أعتى القنوات التلفزية العالمية مع علاقة عاطفية ذاتية تربط أبناءها بها ومع اهتمام باد من قادة الأوطان الناطقة بها ومع دساتير تنص على مكانتها باعتبارها لغة الوطن، كيف للغة بهذا الشأن أن تكون عمليا في وضع غير سليم في التداول اليومي العام حيث لا تكاد تسمع من عامة المتكلمين بالدوارج العربية إلا جملا مهجنة بعبارات دخيلة من اللغتين الفرنسية والإنجليزية وحيث يتخاطب الشباب خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي بلغة ليست عربية ولا فرنسية ولا إنجليزية، ومما يزيد الأمر هجنة وغرابة هو تخلي الكثيرين من الشباب في هذه الوسائط الجديدة عن استعمال الخط العربي ولجوؤهم إلى الحروف اللاتينية مع بعض الأرقام العربية الدالة على حروف لا نظير لها في اللاتينية مثل القاف (9) والحاء (7) والخاء (5).

وينتظر أن تشهد الندوة طرح عدد من المقترحات العملية التي من شأنها أن تحسن مكانة اللغة العربية في تونس وفي العالم العربي، ومن بينها تصور آليات جديدة للتحفيز على المطالعة، واستعمال العربية في المجال المهني (تقارير، مراسلات، إعلانات، أخبار…)، والعودة إلى الاختبارات الشفوية في الامتحانات والمناظرات للتحقق من امتلاك الفرد للأداة التعبيرية ومستوى خبرته الفكرية، إضافة إلى دعم المجهود لتعليم العربية للناطقين بغيرها سعيا إلى نشرها وكسب الأنصار لحضارتها.

وتسعى الندوة كذلك إلى تقوية الحس النقدي تجاه اللسان العربي لتوضيح ما فيه من إيجابيات واستجلاء ما يتعين إصلاحه في طرق تعلمه وتدريسه ومناهج البحث فيه، كما تحاول النظر في تدريس الأدب المقارن والترجمة في المعاهد الثانوية والجامعات، ودعم تدريس المسائل الحضارية في التعليم العالي، بالإضافة إلى اقتراح طرق جديدة لإعادة الاعتبار إلى الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية التي فقدت مصداقيتها في الساحة الثقافية التونسية، بينما استثمرت بعض البلدان العربية في هذا المجال وسجلت نجاحات وآليات مبتكرة لتحفيز الباحثين التونسيين على تسويق نتائج أبحاثهم من خلال ترجمتها

التعليقات مغلقة.