الحركات المسلحة تخرج عن حيادها في الحرب السودانية

ماسة نيوز : وكالات

 

هل يأخذ مسار الحرب منعطفات خطرة
دخلت الحرب في السودان منعطفا خطرا بانخراط الحركات المسلحة في الاقتتال ومغادرتها مربع الحياد المعلن منذ بداية الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وينذر انخراط الحركات المسلحة بإطالة أمد الحرب لما له من تداعيات أمنية واجتماعية خطرة.

الخرطوم – لم يخفق الجيش السوداني في استمالة القبائل للقتال إلى جواره فقط، بل بدأ يفقد موقف الحياد الذي رفعته غالبية الحركات المسلحة التي تمسّكت بعدم القتال معه وتحييد اتفاق جويا للسلام الموقع مع الخرطوم وما ترتب عليه من ترتيبات أمنية، حيث أعلنت حركة “تمازج” انضمام قواتها إلى صفوف الدعم السريع، ما يفضي إلى حدوث تغيرات على الأرض الفترة المقبلة إذا انفرط عقد التمسك بالحياد.

وجاءت خطوة “تمازج” عقب تقارير قالت إن القيادات الأربع التي قام زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم قبل أيام بفصلها من الحركة قررت الانضمام والعناصر القتالية الموالية لها إلى الدعم السريع، في وقت تواترت فيه معلومات حول خيبة أمل الجيش في استمالة العديد من القبائل العربية والأفريقية للانضمام إلى القتال بجواره، بل إعلان بعضها رسميا الانخراط في صفوف الدعم السريع.

وأعلنت حركة “تمازج” انضمام قواتها للدعم السريع، ما يعني انسحابها عمليا من الكتلة الديمقراطية في تحالف الحرية والتغيير المعروف أنها دعمت سياسيا قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان قبل اندلاع الحرب ومثلت الجبهة المقابلة للمجلس المركزي في الحرية والتغيير الذي تمسّك بتسليم الجيش السلطة.

وقال بيان أصدره رئيس الحركة محمد علي قرشي الخميس “نعلن بصورة رسمية انضمامنا للقتال مع قوات الدعم السريع ضد فلول النظام السابق الذين اتخذوا القوات المسلحة مطية بغية الوصول إلى السلطة وإعادة إنتاج النظام الشمولي القمعي”.

وبصرف النظر عن الأهمية العملياتية لقتال “تمازج” مع الدعم السريع، فإن المعاني والمضامين الرمزية التي تحملها كبيرة، إذ تؤكد أن هناك إعادة تموضع تتم الآن في السودان يمكن أن تكون لها تأثيرات على التوازنات الحالية في الحرب، والتي لم يتمكّن أحد طرفيها من حسمها عسكريا بعد دخولها شهرها الخامس.

وعززت “تمازج” المعلومات الرائجة حول الدور الذي تلعبه فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقالت في بيان انضمامها للدعم السريع إن “التحركات العلنية لرموز النظام البائد بالتزامن مع تصريحات أطلقتها قيادات في القوات المسلحة تؤكد أن هناك طرفا ثالثا يدير الحرب، وأن القتال جاء بقرار سياسي يقف خلفه رموز النظام السابق وأذيالهم مما يستوجب الحسم الفوري بكافة السبل والوسائل”.

ودعا رئيس “تمازج” من أسماهم بشرفاء القوات المسلحة إلى الانحياز لخيارات وتطلعات الشعب السوداني، وهي التحول المدني الديمقراطي والنأي بالجيش عن السلطة والوقوف سدا منيعا ضد تحركات النظام السابق داخل المؤسسة العسكرية.

وبدأت قوات حركة “تمازج” على نطاق الشريط الحدودي في إقليمي دارفور وكردفان بالتوجه إلى ارتكازات الدعم السريع وفق خطوات ميدانية تم ترتيبها من قبل الحركة.

وحركة “تمازج” هي واحدة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020، ولاحقتها اتهامات بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العسكرية بعد ارتكاب عناصر تابعة لها في الخرطوم وبعض ولايات دارفور تفلّتات أمنية قيل وقتها إنها تهدف إلى تخريب اتفاق جوبا وتعطيل برتوكول الترتيبات الأمنية.

وعقب بدء القتال بين قوات الجيش والدعم السريع في منتصف أبريل الماضي انخرط عدد من قيادات “تمازج” في صفوف الدعم السريع، بينهم قائد عملياتها الحربية في دارفور أحمد قجة، وظهر الرجل وهو يقود عددا من الجنود في ولاية الجزيرة.

وتعد حركة “تمازج” الفصيل المسلح الثاني الذي يعلن انضمامه للقتال في صفوف الدعم السريع أخيرا، حيث أعلنت ما يسمّى بقوات “درع السودان” قبل أيام انضمامها للدعم السريع بغرض محاربة تنامي نفوذ الإخوان داخل الجيش.

ووفقا لتقارير نشرتها صحف محلية، أقر قيادي بارز في “تمازج” في مايو الماضي بانضمام عسكريين في الحركة لقوات الدعم السريع للمشاركة في المعارك الحربية ضد الجيش، وكان هذا الموقف فرديا في حينه ولا علاقة له برئيس الحركة الذي فضّل عقب اندلاع القتال الوقوف على الحياد مثل غالبية الحركات المسلحة.

وأشارت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب إلى أن حركة “تمازج “لا تحسب تماما على الحركات المسلحة التي التزمت الحياد عقب اندلاع الحرب، لأنها خرجت مبكرا عن بنود الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام لكن إعلان انضمامها رسميا لقوات الدعم السريع ينطوي على دلالات سياسية وعسكرية.

وأضافت لـ”العرب” أن “قتال ‘تمازج’ مع الدعم السريع سوف يشكل ضغطا ماديا ومعنويا على قوات الجيش من عدة جبهات، خاصة في غرب السودان (إقليم دارفور)، حيث تقاتل الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها عبدالعزيز الحلو ضد الجيش في جنوب كردفان وكبدته خسائر فادحة”.

◙ توقعات بأن تتخلى الحركات المسلحة عن جانب الحياد في الحرب، حيث يدرس بعضها الآن إمكانية الدخول فيها بذريعة حماية المدنيين في مناطق الاشتباكات

وتوقعت تماضر الطيب أن تتخلى الحركات المسلحة التي التزمت الحياد في الحرب، وبعضها يدرس الآن إمكانية الدخول فيها بذريعة حماية المدنيين في مناطق الاشتباكات في غرب السودان، وهو ما يجرها إلى المشاركة في القتال بحكم الأمر الواقع.

وعرّف رئيس “تمازج” محمد علي قرشي الحركة بأنها “عسكرية سياسية قومية التكوين والنشأة وطنية التوجه تتكون من 12 فصيلا مسلحا، منتشرة في ولايات كردفان ودارفور والنيل الأبيض، وبها تنوع قبلي، ووحدت قبائل الشريط الحدودي وجمعتها بلا تمييز”.

وارتبطت “تمازج” تاريخيا بالحركة الشعبية الأم التي كان يتزعمها الراحل جون قرنق، وكانت إحدى فصائل الحركة وخاضت معها العديد من المعارك في الشريط الحدودي بين ولايات كردفان ودارفور، وسميت بـ”تمازج” لأنها تضم خليطا من عناصر الحركة الشعبية الأم التي توزعت بين دولتي السودان وجنوب السودان.

وقررت الحركة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، وكانت وقتها فصيلا من الحركة الشعبية، اختيار طريق مغاير بحجة أن قياداتها من مكونات الشمال.

ووقّعت الحركة على بروتوكول الترتيبات الأمنية وتشترك مع بقية الحركات المسلحة في بروتوكول القضايا القومية الذي يشمل الترتيبات السياسية وتمثيل أطراف السلام في أجهزة الدولة على المستوى السيادي وهياكل السلطة الأخرى وفقًا للاتفاق

التعليقات مغلقة.