تحديات التدخل العسكري في النيجر ورهاناته

ماسة نيوز : وكالات

يرتفع منسوب التوتر في النيجر فيما المهلة التي وضعتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لعودة النظام الدستوري تشارف على نهايتها، ما يعزز سيناريو التدخل العسكري الأجنبي الذي تطرحه “إيكواس” ضمن خياراتها للتعامل مع الانقلاب في نيامي بدعم قوى دولية.

واشنطن – يوشك انقلاب النيجر أن يتحول إلى حرب إقليمية تشترك فيها عدة جيوش من دول الساحل وغرب أفريقيا، وقد تجر تلك الحرب قوى عالمية بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس” باستخدام القوة لتحرير الرئيس محمد بازوم. وعارضت الجزائر، الجارة الشمالية للنيجر، استخدام القوة العسكرية ضد الانقلابيين مع تأكيدها على شرعية الرئيس بازوم، وتقاطع الموقفان الإيطالي والروسي مع الموقف الجزائري.

وبالمقابل، من غير المستبعد أن تدعم باريس تحركا عسكريا لمجموعة “إيكواس” ضد المجلس العسكري في النيجر، وهذا ما أشار إليه بيان للرئاسة الفرنسية شددت فيه على أنها “تدعم كل المبادرات الإقليمية” الهادفة إلى “استعادة النظام الدستوري (…) وعودة الرئيس المنتخب محمد بازوم الذي أطاح به الانقلابيون”.

وتمتلك فرنسا قاعدة عسكرية في العاصمة النيجرية نيامي تضم نحو 1500 جندي وضابط، وتعتبر مركز عملياتها العسكرية في الساحل بعد انسحاب قواتها من مالي. وأجلت باريس رعاياها من النيجر البالغ عددهم نحو 600 فرد عقب مظاهرات مؤيدة للانقلابيين أمام مقر سفارتها في نيامي، رفعت خلالها أعلام روسيا وشعارات مناهضة لفرنسا، وحاول المتظاهرون اقتحامها،

بينما أرسلت الولايات المتحدة ألف جندي إلى قاعدتيها في النيجر، إحداهما تمثل أكبر قاعدة أميركية للطائرات المسيرة خارج البلاد. ورغم أن واشنطن أدانت الانقلاب في النيجر إلا أنها لم تعلن أي نية للتدخل عسكريا لإعادة بازوم إلى الحكم، خاصة وأنها تعتبر البلاد منطقة نفوذ فرنسية، وتكتفي بتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي لباريس.

منحت “إيكواس” مهلة بأسبوع “لاستعادة النظام الدستوري الكامل” في النيجر خلال قمة طارئة بنيجيريا في 30 يوليو الماضي، وهددت باتخاذ إجراءات “قد تتضمن استخدام القوة” حين تنتهي المهلة في 6 أغسطس الجاري. وفعلا اجتمع رؤساء أركان دول “إيكواس” في عاصمة نيجيريا أبوجا بين 2 و4 أغسطس لبحث أوضاع النيجر في ما يعتبر مؤشرا قويا على الاستعداد لوضع خطة للتحرك العسكري. ومؤخرا بدأت تتساقط الأنظمة الدستورية في دول “إيكواس” التي تضم 15 دولة واحدة تلو الأخرى بدءا من مالي ثم غينيا وبعدها بوركينا فاسو، وأخيرا النيجر، وتمثل البلدان الأربعة نحو نصف مساحة المنظمة.

لماذا التدخل عسكريا؟
◙ مرحلة حرجة
وسبق أن فرضت “إيكواس” عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو للضغط عليهم للعودة سريعا إلى الوضع الدستوري، لكن ذلك لم يُجدِ نفعا. وكادت غينيا بيساو، الواقعة بين السنغال وغينيا، أن تنضم إلى قائمة الدول الخاضعة لسلطة انقلابية في 1 فبراير 2022، لكن المحاولة الانقلابية فشلت.

وتصاعدت المطالبات بين قادة “إيكواس” بضرورة تشكيل قوة عسكرية لمنع الانقلابات في دول المنظمة، خاصة وأنها سبق وأن تدخلت عسكريا في ظروف مختلفة بكوت ديفوار وليبيريا عام 2003، ومالي في 2013، وغامبيا في 2017، وغينيا بيساو في 2012 و2022.

وتريد “إيكواس” إظهار مزيد من الحزم إزاء موجة الانقلابات العسكرية التي تجتاح غرب أفريقيا، وعدم الاكتفاء بغلق الحدود والأجواء والمنع من السفر وتجميد الحسابات البنكية للانقلابيين، لأنها عقوبات لم تحقق المرجو منها. تضامنت الحكومات الانقلابية في كل من مالي وبوركينا فاسو بالإضافة إلى غينيا مع الانقلابيين في النيجر، وحذرت دول “إيكواس” من التدخل عسكريا. بل إن مالي وبوركينا فاسو اللتين تشتركان مع النيجر في منطقة الحدود الثلاثة المشتعلة أمنيا، اعتبرتا أن “أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمثابة إعلان حرب علينا”.

أما غينيا كوناكري، وإن لم يعلن مجلسها العسكري صراحة المشاركة في أي حرب قد تندلع في النيجر بين قوات “إيكواس” وجيوش الساحل الثلاثة، إلا أنه أعلن صراحة عدم التزامه بالعقوبات التي فرضتها “إيكواس” على النيجر. وحذر من أن “التدخل العسكري في النيجر سيؤدي إلى تفكك مجموعة إيكواس”، في إشارة إلى إمكانية انسحاب الدول الأربع التي شهدت انقلابات منذ عام 2020.

ويخشى قادة الانقلاب في مالي وبوركينا فاسو وغينيا أن يؤدي نجاح قوات “إيكواس” في وضع حد للانقلاب في النيجر، إلى تشجيع الأخيرة لتكرار نفس التجربة في بلدانهم، ناهيك عن أن كلا من النيجر ومالي وبوركينا فاسو تشترك في قتال التنظيمات الإرهابية التابعة لـ”داعش” والقاعدة خاصة في منطقة الحدود الثلاثة، إلا أن دعم فرنسا للأولى وروسيا للأخيرتين يصب في التنسيق الأمني بين البلدان الثلاثة.

وقال رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري في القمة الأفريقية – الروسية في سانت بطرسبرغ في 29 يوليو “تخوض بوركينا فاسو والنيجر نفس المعركة ضد الإرهاب، ولكن نظرًا إلى وجود شركاء مختلفين، تجد الدولتان الساحليتان صعوبة في التعاون على الرغم من كونهما جارتين”. واستدرك قائلا “بمجرد أن يصبح الشريك مشتركًا بين بوركينا فاسو والنيجر نأمل أن نتمكن من دعم بعضنا البعض من خلال الاتفاقية الجديدة”.

فالتصور الجديد لكل من مالي وبوركينا فاسو هو دعم الانقلابيين في النيجر، ومساعدتهم على إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا، والتحول نحو روسيا، والتوقيع على اتفاقية أمنية بين الدول الثلاث لمكافحة الإرهاب برعاية موسكو.

بعد ثلاثة أيام من تلويح “إيكواس” باستخدام القوة، حذرت الجزائر من محاولات التدخل العسكري في النيجر ودعت إلى استعادة النظام الدستوري عن “طريق الوسائل السلمية”. وبررت الخارجية الجزائرية موقفها الرافض لتحرك عسكري بدعم فرنسي بأنه “سيكون عاملًا يُعقد ويزيد من خطورة الأزمة الحالية”، وحتى “لا تواجه النيجر والمنطقة بأكملها نقصًا في الأمن والاستقرار”.

وسبق بيان الخارجية الجزائرية اتصال من الرئيس عبدالمجيد تبون برئيس بنين تريس تالون في 29 يوليو قبل يوم من انعقاد قمة “إيكواس”، بحثا فيه عن الوضع في النيجر. وشدد الرئيسان على “تمسكهما الصارم بضرورة العودة إلى النظام الدستوري في النيجر”، وفق بيان الرئاسة الجزائرية. لكن الخلاف واضح حول طريقة “إعادة الرئيس بازوم إلى منصبه كرئيس دولة منتخب شرعيا”، فبينما تفضل الجزائر الوسائل السلمية، تميل “إيكواس” إلى الخيار العسكري.

تهديد مضاد
وسبق للجزائر أن تحفظت على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها “إيكواس” على مالي، ورفضت المشاركة فيها، كما عارضت التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2013، والذي تسبب في انتشار الجماعات الإرهابية في معظم دول الساحل وأجزاء من غرب أفريقيا، ناهيك عن معارضتها التحالف العسكري الذي قادته فرنسا في ليبيا عام 2011، والذي ترى أنه فتح عليها أبواب جهنم، بسبب عدم استقرار ليبيا إلى اليوم، وسقوط شمال مالي في 2012، وتعرض منشأة غاز جزائرية لهجوم إرهابي في 2013 انطلق منفذوه من مالي مرورا بالنيجر ودخلوا عبر الحدود الليبية، ما اضطرها لحشد عشرات الآلاف من جنودها على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية.

ومن شأن تدخل عسكري من دول “إيكواس” في النيجر أن يعقد الأوضاع الأمنية في المنطقة، مع إصرار الانقلابيين في النيجر ومالي وبوركينا فاسو على صد أي عملية عسكرية، ما سيشعل حربا إقليمية في المنطقة بين الدول الدستورية المدعومة من فرنسا والدول الانقلابية المدعومة من روسيا.

وقال مُنفّذو الانقلاب إنهم سيردّون “على الفور” على أيّ “عدوان أو محاولة عدوان” ضدّ بلادهم من جانب المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا. ورأت موسكو أن التدخل الأجنبي لن يسمح بحل الأزمة. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “من غير المرجح أن يسمح تدخل قوات من خارج المنطقة بتحسن الوضع”، داعيا في الوقت ذاته إلى “العودة سريعا إلى النظام الدستوري”.

ودعت وزارة الخارجية الألمانية إلى مواصلة جهود الوساطة مع المجلس العسكري. وقال متحدث باسمها “من المهم أن نُفسح المجال لجهود الوساطة”، مضيفاً أنه يأمل أن تفضي إلى حلّ سياسي. والجمعة، تجمع نحو مئة شخص ينتمون إلى عدد من بلدان غرب أفريقيا في نيامي للاحتجاج على أي تدخل عسكري في النيجر. ونشر بازوم مقال رأي في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية حذر فيه من “العواقب المدمرة” للانقلاب على العالم ومنطقة الساحل التي قد تنتقل برأيه إلى “نفوذ” روسيا عبر مجموعة فاغنر المسلحة.

ودعا بازوم “الحكومة الأميركيّة والمجتمع الدولي بأسره إلى مساعدتنا في استعادة النظام الدستوري”. وقال بازوم البالغ من العمر 63 عامًا والمحتجز مع عائلته منذ إطاحة حكومته “أكتب هذا بصفتي رهينة”، مشددا على أنّ “هذا الانقلاب (..) ليس له أيّ مبرّر”. وعدا عن التوتر بين الانقلابيين وجماعة “إيكواس”، يزداد التوتر بينهم وبين فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة ودول أخرى. وقرروا إقالة سفراء النيجر في فرنسا والولايات المتحدة وتوغو ونيجيريا.

لكن سفيرة النيجر في فرنسا عيشة بولاما كانيه قالت الجمعة إنها لا تزال في منصبها الذي عينها فيه “الرئيس الشرعي محمد بازوم” وإنها تعتبر قرار المجلس العسكري “باطلاً وكأنه لم يكن”. كذلك أوقف الخميس بث برامج “إذاعة فرنسا الدولية” (RFI) ومحطة “فرانس 24” التلفزيونية في النيجر “في قرار اتخذ خلافا للأطر القانونية” على ما أفادت شركة “فرانس ميديا موند” التي تشرف على الوسيلتين الإعلاميتين. ونددت فرنسا “بشدة” بهذا القرار.

وتمثل النيجر المحور الأخير لمحاربة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل بالنسبة إلى فرنسا التي تنشر فيها 1500 جندي بعد اضطرارها للخروج من مالي في صيف عام 2022، لكن الانقلابيين أعلنوا الخميس في نيامي التخلي عن اتفاقات عسكرية عدة معها. وبعض هذه الاتفاقيات تنص بشكل خاص على شروط تمركز الكتيبة الفرنسية و”مكانة” الجنود المتواجدين في إطار مكافحة الجماعات الجهادية، وفق بيان صحفي تُلي على التلفزيون الوطني في النيجر.

ومن ثمة فإن النيجر هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي تحتفظ فيها فرنسا بما يسمى بالشراكة القتالية ضد الجهاديين. أما تشاد فتستضيف الأركان العامة للعمليات الفرنسية في منطقة الساحل، بالإضافة إلى القوات المنتشرة في إطار شراكة عسكرية مع نجامينا.

وتنتشر في القواعد الفرنسية الأخرى في القارة قوات تسمى قوات دائمة متمركزة تشارك في حماية المواطنين وهي على استعداد للتدخل لتعزيز العمليات والتعاون مع الجيوش الوطنية في تنفيذ مناورات وأنشطة تدريب وما إلى ذلك. وتنشر فرنسا قوات دائمة في جيبوتي (1500 فرد) وكوت ديفوار (900) والسنغال (400) والغابون (350).

وفي 26 يوليو الماضي قاد رئيس وحدة الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشياني انقلابا عسكريا أطاح برئيس النيجر بازوم المحتجز في القصر الرئاسي منذ ذلك الحين، ما قوبل باستنكار دولي ودعوات إلى إعادة أول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد إلى منصبه

التعليقات مغلقة.