هل يفضي “انقلاب النيجر” إلى الإجهاز على نفوذ فرنسا وتقوية مصالح روسيا؟
ماسة نيوز : وكالات
منذ الأربعاء وبشكل رهيب، تتسارع الأحداث والأخبار القادمة من قلب منطقة الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما بعد إعلان عسكريين من الحرس الرئاسي في النيجر الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، وإعلان الجيش، رسميا، قراره بوضوح دعمَه لدعوة قادة الانقلاب إنهاء حكم الرئيس “المحسوب على فرنسا وأقرب أصدقائها في المنطقة”.
رفع الأعلام الروسية في مظاهرات بالشارع تؤيد “انقلاب النيجر” لفت انتباه كثيرين، في وقت خرج قائد “فاغنر” بريغوجين، في “ظهور نادر” له منذ أسابيع، على هامش القمة الروسية–الإفريقية، ليُلاقي عددا من المسؤولين الأفارقة، ويصف في تسجيل مسرب له انقلاب النيجر بـ”الكفاح ضد المستعمر”، في تلميح وكناية واضحيْن عن فرنسا؛ المستعمر السابق لهذا البلد الإفريقي.
كما قرأ متابعون للشأن الإفريقي في الإطاحة بنظام الرئيس بازوم، كآخر المقرّبين من باريس في المنطقة، “مؤشرا دالّا على تراجع مستمر لنفوذ فرنسا في الساحل والصحراء لصالح روسيا وأذرعها الأمنية”؛ ما يدفع إلى التساؤل: هل سقطت آخر معاقل فرنسا في الساحل؟
الورقة الأمنية
الموساوي العجلاوي، الخبير المغربي في الشأن الإفريقي أستاذ باحث بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، سجل في البداية أن “ما حصل في النيجر يشبه كثيرا الانقلابات العسكرية في عدد من دول الساحل والصحراء”، قائلا: “طبعا، هناك اختلاف وخصوصيات لكل بلد؛ بيْد أن القاسم المشترك بينها هو الورقة الأمنية. ولذلك، الانقلاب العسكري في هذه الدول هو نهاية صبر العسكريين في مواجهة الحركات الجهادية وجماعات الجريمة المنظمة وتقاعُس السياسيين عن مشاركة العسكريين همومهم اليومية القاسية”.
وأضاف العجلاوي شارحا طبيعية الوضع في النيجر: “القوات الأمنية والعسكرية تواجه بوكو حرام وأخواتها في الجنوب الشرقي والدولة الإسلامية في الغرب. وهذا مرهق للجيش النيجيري، رغم المساعدة الكبيرة للفرنسيين والأمريكيين”، لافتا إلى أن “قراءة في بيان قيادة الجيش النيجيري كفيلة بفهم دواعي الانقلاب”.
وقال: “صحيح أيضا أن هناك انتخابات جيدة بالنيجر؛ لكن يبقى نفس الحزب هو الحاكم، ويمكن اعتبار ولاية بازوم ولاية ثالثة للرئيس السابق إيسوفو، من حيث عدم تغيير المؤسسات السياسية التي تدير شؤون البلاد”.
بعض النجاحات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو ضد الجهاديين بمساعدة قوات فاغنر قد تكون باب الغواية الانقلابية التي سكنت عقل قيادة الجيش في النيجر، آملا في تحقيق نجاحات أمنية وعسكرية. وتساءل: “هل سيتحقق ذلك؟، لا أحد يدري؛ لكن يبقى الأمر رهانا للجيش”.
فرنسا.. “الخاسر الأكبر”
“على المستويين الإقليمي والدولي، تبقى فرنسا الخاسر الأكبر من هذا الانقلاب؛ لكون بازوم هو رأس الحربة السياسة الفرنسية في المنطقة”، استنتج العجلاوي في إفادات تحليلية خص بها هسبريس، قائلا: “تابعنا في 2018 حين كانَ وزير الخارجية كيف هاجم الرئيس المالي الراحل ابراهيم كيتا، حين بادر إلى فتح حوار مع ‘كتيبة ماسينا’، وكان صوته متناغما مع الموقف الفرنسي تجاه فتح حوار مع ” الإرهاب” من طرف دولة مالي، وتم إفشال خطوة الرئيس المالي وأدى ثمن ذلك بانقلاب عسكري كان الوضع الأمني سببا فيه كما جاء حينها في بيان العسكريين”.
وأكد المتحدث أنه “بعد فشل مقاربات الرئيس الفرنسي في سياساته الخارجية الإفريقية، صرح بمقاربة جديدة اعتمدت بالأساس على دولتين داعمتين للنفوذ الفرنسي في المنطقة وهما النيجر وتشاد”، خالصا إلى أن “الانقلاب العسكري في النيجر أطاح بسياسة ماكرون الإفريقية”. وزاد متسائلا: “الثقل الآن على التشاد، فإلى متى سيستمر الأمر؟ وهل التشاد قادرة على أعباء المرحلة رغم ما تعانيه من قضايا داخلية وارتدادات الأزمة السودانية عليها؟”.
في هذه السباقات إذن، سجل العجلاوي أن “الرابح الأكبر هو روسيا”، طارحا سؤال “تزامن الانقلاب في النيجر مع ليلة انعقاد القمة الروسية–الإفريقية، حيث كانت حاضرة الورقة الأمنية في القارة الإفريقية”.
وختم بالقول: “من سوء حظ فرنسا في عهد ماكرون أنها تُناقض المقاربات الأمنية للدول الإفريقية؛ لكنها لا تمتنع عن حوار مع أبوعبيدة العنابي، زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وإذاعته في القناة شبه الرسمية فرانس 24… مِثل هذه القضايا تكفّر العسكريين في منطقة الساحل بسياسة فرنسا في المنطقة”.
معادلة ضبط التوازن الجيواستراتيجي
أكد عبد الفتاح الفاتحي، مدير “مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية”، أن “ما يجري بالنيجر يندرج ضمن سياق عام هو إعادة ضبط التوازن الجيو-استراتيجي في الصراع بين الدول الغربية وموسكو، على الأراضي الإفريقية”.
وتابع الفاتحي، في تصريح لهسبريس، أن “معادلة ضبط التوازن بين الدول الغربية وروسيا تؤكد هذا التوجه الذي يشكل أحد الحوافز الأساسية لوقوع انقلاب عسكري”، مشددا على “الجوانب الاقتصادية باعتبار سوق إفريقيا لترويج منتجات الغذاء الروسية والاستفادة من معادن نفيسة”.
وسجل الخبير في قضايا الساحل أن “روسيا باتت لها أجندة واضحة لتعزيز نفوذها في الساحل والصحراء، خاصة بعدما فقدت فرنسا أحد أكبر داعميها في تشاد”، مضيفا: “نحس بأن النفوذ الفرنسي يتراجع فعليا؛ في مؤشر يتكرر وليس أول مرة بنفس السياق والتواتر مع اختلاف الدول فحسب”.
وذكّر بأن “مبررات الانقلابيين هو تردي الوضع الأمني بالبلاد؛ ما يعني أن استراتيجية التخطيط الأمني والوجود الفرنسي العسكري لم يعد مجديا كخطة”.
أما تصريح “زعيم مجموعة فاغنر”، فهو أن “ما يعطيه النَّفَس الإيديولوجي هو الثورة على المستعمِر الفرنسي”، حسب الخبير ذاته الذي نبه إلى أن “روسيا تسعى إلى استهداف الغرب كله، وليس فرنسا لوحدها
التعليقات مغلقة.