ودق الرواعد مشاوير في حضرة دارفور ( وعن أسرة عمنا بشري نحدثكم ) ( 3 ) الطاهر أبوجوهرة
ماسة نيوز
ونحن في نيالا بغرض حضور فعاليات المؤتمر الولائي للشعبي بجنوب دارفور ، عندما نحدثكم عن أسرة عمنا الراحل بشري والد الاخ عماد بشري فاننا نحدثكم عن صفات سكان أهل نيالا جمعاء أو قل دارفور ، فهي صفات متوفرة في كل أسرة ، في كل رجل ، في كل إمرأة ، في كل فتاة عند كل صبي ، قائمة من الاشياء الحميدة تجلس على حكر مفردة واحدة إسمها الكرم .. نعم .. حتى الذين أصابهم الله بشئ من الابتلاء وفقدوا الاهلية ونعني ( المجانين ) نجدهم هنا لم يفقدوا هذه الصفة ونعني الكرم والشهامة .. قف للموقف حكاية .. في ذلك الصباح عندما خرجنا وتوقفنا بعربتنا في أحدى شوارع المدينة نيالا ، كان على الجانب الاخر من الطريق أختارت إحدالنسوة مكانا متواضعا تحت إحدى الاشجار وإتخذت منه مطعما للاكل البلدي ، كان الاتفاق على أن نتناول وجبة الفطور هنا عند هذه المرأة .. بالتأكيد إتفق الجميع إنهم ( كرهوا حاجة إسمها لحوم ، فلابد من التغيير ، ففي هذه المدينة في كل بيت في كل ركن ساعة أي وجبة لابد أن يكون طبق الشية يشكل حضورا ) .. إنها دارفور .. فعندما إنتهينا من تناول الوجبة جاء أحد المعتوهين مسرعا وبذات السرعة والايقاع بدأ يجمع ماتبقى من الطعام ، فدار بينه وبين أخينا عماد بشري هذا الحوار ( طبعا ) بلغة أهلنا بدارفور ، ومايزيد الامر طرافة طوال فترة الحوار هذه كان هذا الشاب المعتوه يجمع الطعام من الصينية منهمكا لم يرفع رأسه إلا بعد أن غادر المكان وبسرعة ، قال له عماد :
_ هيي أتفضل أقعد في كرسي أكل .
قال الشاب وهو منهمكا في جمع الطعام .
_ ما داير أكل .
فقال عماد :
_ ماداير تاكل نشوفك تلمي ده ؟!
فقال الشاب دون أن يرفع رأسه بينما أصابعه تعمل على جمع الطعام ووضعه في ( شوال سكر فارغ ) كان يمسكه باحدى يديه :
_ لا أنا مادايروا لنفسي ندور نوديهو لاولاد أم عيسى . ( وهنا بعد ان قام عماد بالترجمة عرفنا ان اولاد ام عيسى هم الصبيان الذين يدرسون في الخلاوي ، في مناطق أخرى من البلاد يسمونهم المهاجرين وغالبا لا يكونون من سكان المنطقة بل يأتون من مناطق أخرى )
قال عماد :
_ أقعد أكل لحم راقد .
فهنا قال الشاب المعتوه موجها خطابه لعماد :
_ ( ناس بدوا مصاريف ) .
يقصد الناس بتمنح الناس قروش مش لحمة ( يعني هو شبعان من اللحمة ) .. لاحظوا .. هو يريد جمع الطعام ليس لنفسه بل لاخرين ، ألم أقل لكم إن هذه المنطقة حتى مجانينهم يحملون الكرم وهموم الاخرين .. ولذلك نحن عندما نحدثكم عن أسرة عمنا المغفور له بشري ، فاننا نحدثكم عن أسر وشيوخ في مقدمتهم شيخنا عبدالرحمن الدومة وإخوته قيادات الشعبي بمختلف مواقعهم ، محامون وتجار وأطباء وآخرين ، هم يتحركون في دائرة تجد محتواها في هذا المقطع :
وتهُشُ عند لقاءه
ويغيب عنك فتشتهيه
لايرتضي أبدا لصاحبه
الذي لايرتضيه
.. نعم .. في ذلك الصباح الجميل في اليوم التالي من إنتهاء المؤتمر كان في إنتظارنا رحلة شيقة الي مدينة تُلس .. يقولون من معالم الجليس الصالح هو أن يقودك الي صلاة الجماعة في جميع المواقيت ، فطوال الرحلة لمدة إسبوعين لم يصلِّ أحد منا منفردا وهذه من بركات هذا المشوار المبارك في حضرة شيوخنا الصافي نورالدين وعمنا دهب وشمار .. إنها قصة رحلة ممتعة .. ولم لا ونحن يستضيفنا بيت عريق أخذ متكأه في ناصية من نواصي منازل حي الوادي العريقة .. منزل الاخ إبراهيم شقيق أخينا عماد بشري أو قل منزل الاسرة أو مانسميه البيت الكبير .. يا سلام .. يقولون تصرف الاطفال والصبيان هو المرآة العاكسة لمكنون محتوى البيوت ، فعندما وقفت عربتنا عند بيت شقيق الاخ عماد لاحقا عرفنا إسمه ابراهيم ، ساعة وصولنا للتوء من الفاشر أول ما إستقبلنا طفل لم يتجاوز الرابعة ، عرفنا لاحقا إنه إبن إبراهيم شقيق الاخ عماد إستقبلنا مرحبا قائلا : ( حمدالله على السلامة ) ، جملة أخذت موقعها أدخلت في جوانحنا الاحسان والغبطة ، علق عليها الاخ سفيان المنا بسخريته المعهودة قائلا : ( طفل زي ده لو كان في الخرطوم قال ليكم جبتو معاكم شنو ؟ ولا دايرين منو ؟ ) ؟ .. في هذا المنزل المبارك شاهدنا كل شئ من الكرم وحسن الاستقبال والضيافة إنتهاءا بالهدوء .. نعم قلنا الهدوء .. فطوال مكوثنا لاسبوع تقريبا في هذا المنزل لم نسمع صوتا من الداخل !! فكل الاشياء في حضرة هذه الاسرة يبدو إنها تعودت أن تودَّى في صمت تام أو قل في ( رواقه ) حتى الطلبة والتلاميذ في هذه الاسرة في الصباح لاتسمع لهم ضجيجا وضوضاء كما عودونا هنا في الخرطوم حيث ( الجوطة والكبسيبة وحكاية وين حشوتي وحق التحلية ؟ وقصة السندوتشات المزعجة ) .. نعود .. ونحن نتأمل جانبي الطريق والعربة تنطلق بنا نحو تُلُس .. في مشوارنا .. تأملنا مواقف حال المكان والعربة تنطلق .. وهذه مركبات حاملة نفر وفوق أخرى شعير يابس وذرة .. هذا مختصر اللوحة .. سادتي ..
لو إستخدمنا هذه المليارات التي تنفق في بناء السجون في إصلاح النفوس ، نستطيع ان نصل الي بناء الاستقامة التي ستخلق لنا إنسانا قادر أن يعيش على ضوابط الفطرة .. هذا هو مادار في خاطرنا وعلى يُمنانا نشاهد هذا المبنى الضخم خبّرنا الاخ عماد بانه هذا سجن نيالا الجديد .. ونحن في حضرة جنوب دارفور .. ننطلق صوب تُلُس ، وعلى مقعد القيادة أخونا عماد بشري .. هذا الرجل الاخ عماد الذي أين ما توجهه ياتي بخير .. يقولون السفر يكشف معادن الرجال ، كريم ، مافي يد الله أوثق من ما في يده يؤدي كل شئ بمنتهى المصداقية والهدوء لا يستعجل نتائج الاشياء ، لم ينفعل وهو يواجه مداخلات وعثاء السفر على إمتداد قرابة الثلاثة ألف كيلوا أو يزيد ذاهابا وأيابا بعربته الخاصة فرجل بهذه المقاسات لايتردد أحد في مرافقته ، ولذلك كنا معه في رحلة الذهاب الي تُلس لزيارة والدته ، في صحبة شقيقيه سليمان وإبراهيم الذين كانا يستقلان عربة أخرى .. وصلنا تُلس .. ونزلنا في بيت الاسرة هناك ، وعندها أيقنا إن الكرم صفة لاتعرف المكان هو شئ يورث وأحيانا يكتسب .. قضينا تلك الليلة بتلس وفيها ذهبنا الي جنائنها ، ودخلنا مساجدها وتحدث شيوخنا دهب والصافي وأحسنوا ، بعدها تحركنا الي رهيد البردي للعزاء في وفاة شقيق والدة أخينا عماد ، فوجدنا ماوجدناه بتُلس ونيالا ، ألم نقل لكم إن هذه الديار بلاد رحمة وتعايش وكرم وإبداع فلماذا تفسدون مباهجها ياسادتي في المركز .. إتقوا فيها الله .. نعم .. إتقوا الله في دارفور وإنيتن دارفور .. اخيرا انتبه ..
في الضيق ، اقترب فورًا من الله بثقة ، فستنال القوة والاستنارة والتوجيه ، وهذا هو بيت الحكمة والموعظة الذي إقتبست منه دارفور هذا الثناء .. ونواصل
ودق :
يارب أعطي السائل المحروم أسباب السرور
وأمنح لكل مشرد ركناََ موشى بالحرير
رعد :
في المقدودة والفارغة
بتفرح أنت ياسجمان
ومابتندم
عشان قالوا النصاب ماتم
وعشان المختفي بيَّنْ
في حضرة لقاء مصنوع
هو زايغ ليه ؟!
وكل أخوانوا محبوسين
هو شرفا ليك
يكون إسمك مدون في صحافة اليوم
مطلوب متهم هارب
زمان م كنت زول سجّان وتتنبر
وتتبجح ..
زمان السلطة في إيدك
سجنته فلان
قتلته فلان
وصفيت كل خصومك جور
بنيامين
مكبِّرة ماشي زايغ وين
مطلوب متهم هارب
التعليقات مغلقة.