من اجلها لا ينامون(2-3) المحبة و التاخى والترابط شعارهم. بقلم الكاتب – الفلسطيني جهاد ابوزبيدة (العمراني)

انهم الجالية الافريقية فى مدينة القدس جاءوا إلى فلسطين من دول وأمم مختلفة، لكنّهم عاشوا كأسرة واحدة وتعاهدوا على تجسيد الأخوة والمحبة والترابط فيما بينهم. فلغوا فكرة “الأسود العبد” التي كانت سائدة حينذاك في عقليّة المقدسيين. وأنتجوا مكانها فكرة الأسود المقدسي المناضل الذي قد يكون شهيداً أو أسيراً أو مرابطاً أو مدافعاً عن فلسطين. هم الأفارقة المقدسيّون أو المقدسيّون من أصول أفريقية، أولئك الذين وفدوا الى فلسطين وعاشوا فى المدينة المقدّسة اذ تجتمع عائلات هذه الجالية الافريقية بشكل أسبوعي وفي جميع مناسباتها الاجتماعية حول طبق “العصيدة” أو الويكة الذي ورثوه عن اجدادهم حين أحضره اجدادهم الأفارقة من أوطانهم إلى المدينة المقدسة قبل عشرات ومئات السنين.

كما حافظت هذه العائلات على عاداتها وتقاليدها، لكنها من ناحية الماكولات كالعصيدة والويكة أجرت عليه بعض التغييرات وتم استبدال اللحم المجفف والذرة باللحم المفروم والسميد، إضافة إلى البامية المجففة والمطحونة، والطماطم المطبوخ، مع الإكثار من الفلفل الحار المجفف.
و من الناحية الاجتماعية مازالت الجالية و بعض عائلاتها في مدينة القدس تحافظ على علاقاتها الاجتماعية بأصولها في أوطانها الأصلية وخاصة العائلات التي قدمت من السودان من ناحية الافراح والاتراح ففى افراح الزفاف يلبس البعض أزياء أفريقية تقليدية”. كما أنّ هناك عادة أفريقية دارجة بين أبناء الجالية في القدس، تسمى الحطيطة. وهي تعبر عن الدعم والمؤازرة المجتمعية، تهدف لإبداء التضامن والتكافل معنوياً ومادياً بين أبناء الجالية في الأتراح والأفراح”، . اذا تلبس العروس بلدة الزفاف الافريقية مضاف الى الثوب بعض من الخرز.المطرز على هذا الثوب
وفى الاتراح هم جنبا إلى جنب فى المواساة
فالجالية الافريقية رغم المشكلات التى كانت تحاصرهم الا انهم حافظوا على تلك العادات الاصيلة وان دل ذلك فإنه يدل على على متانة العلاقات الاجتماعية التي تربط أبناءها ببعضهم، فيساعدون المحتاج منهم بعادة اجتماعية التى سبق وذكرنا اسمها “الحطيطة”.
على الرغم أن عائلات الجالية الافريقية فى مدينة القدس ليس من بلد واحد، بل من عدة بلدان فى القارة السمراء إلّا أنّهم تربّوا على أنّهم أبناء عائلة واحدة، ولديهم عادات مشتركة حافظوا عليها،
ويعود الدور الاساسى والكبير لتمسك الافارقة ببعضهم البعض فى مدينة القدس لجمعيّة الجالية الأفريقيّة والتى احتفظت وارخت تاريخ الاجداد في الحفاظ عليها، ، فقد تأسّست جمعيّة الجالية الأفريقيّة في عام 1983، لتعريف أبنائها، وخصوصاً الشباب في الجالية، بثقافة اجدادهم و بثقافتهم الأفريقيّة.
وربطهم بها من جهة،وايضا وتعريف السيّاح القادمين إلى القدس بهذه الجالية من جهة أخرى.

ولا يختلف الوضع الاقتصاديّ لأبناء الجالية الأفريقيّة عن باقي أبناء البلدة القديمة، فنسبة الفقر عالية بحسب دراسة “معهد القدس لدراسات إسرائيل” للعام 2014 وصلت 82%، يضاف إلى ذلك وضعهم الخاصّ بعدم وجود أملاك لهم من بيوت و أراضٍ، حيث يعيش معظمهم في بيوت مستأجرة.

والأمر هنا لا يتعلق بوجود قانون يمنعهم من الشراء، ولكن كونهم ليسوا أبناء البلد الأصليين ومهاجرين إليها، فهم ليسوا أصحاب أملاك ( أراضي أو عقارات) في المدينة حيث استمروا في عيشهم في البيوت التي استأجروها منذ ذلك الوقت وحتى الأن.

إنّ هذه الجالية لا تختلف عن باقي الجاليات في القدس، فأبناؤها جزء من النسيج المجتمعيّ الموجود في مدينة القدس، من حيث بقائهم فيها للرباط في القدس لقدسيّتها. ولكن ما يميّزهم هو لون بشرتهم وملامحهم الأفريقيّة الواضحة، وزواجهم الداخليّ من الجالية نفسها، “اشتهر أبناء الجالية الأفريقيّة بعملهم كحرّاس على أبواب المسجد الأقصى على مدى السنوات بسبب قدراتهم الجسمانيّة ولونهم الأسود،
فإنّه على الرغم من ذلك، لم تبرز للجالية الأفريقيّة قيادة سياسيّة خاصّة، أو مرجعيّة واحدة، وإنّما كانت تابعة إلى القيادات والمرجعيّات الموجودة في القدس.
عقود عدّة مرّت على أبناء الجالية الأفريقيّة في القدس، حاولوا خلالها المزاوجة بين انتمائهم الفطريّ لبلدهم الأمّ، وبين حبّهم للمكان المقدّس الذي اختاروه طواعية، تماماً كما ثوب الزفاف التقليديّ الأفريقيّ المطرّز بالحرير وغرزة الثوب الفلسطينيّ، .

التعليقات مغلقة.