محاولة الكتابة في أمور شائكة ( ثلاث مقالات :الاستاذ : عبدالمنعم ابوبكر
ماسة نيوز
بسم الله الرحمن الرحيم
حركة الإسلام في السودان
(١)
——————————-
● مقدمة في التاريخ :
طرق الإسلام باب السودان غازيا في ثلاثينيات
القرن الأول الهجري ، شمالا عبر مصر على يد
الصحابي الجليل عبدالله بن أبي السرح رضي
الله عنه .
وانتهى الغزو عند نفس الباب إلى صلح بين المسلمين وبين ملك إحدى ممالك السودان المسيحية، المقرة ، وعاصمتها دنقلا .
وكان من أهم بنود هذا الصلح ؛ هو السماح
للمسلمين بالدخول إلى أرض السودان عابرين ومتعاملين مع أهله بتبادل المنافع وفي سلام
لا يعتدى عليهم ، ولا يمنعهم أحد من إقامة شعائرهم الإسلامية أو الدعوة إلى دينهم مسالمين غير محاربين . وقد دام هذا الصلح قرونا ، هذا من أقوال بعض المؤرخين . ومن أقوال بعضهم أيضا ؛ أن دخول الإسلام إلى أرض السودان كان منطلقه من جهة الشرق
إثرهجرات المسلمين الأولى إلى أرض الحبشة قبل بداية التاريخ الهجري .
فعبر تلك القرون انسابت هجرات المسلمين إلى أرض السودان من الجهات الأربع وبدوافع مختلفة : نشرا للدين ، فرارا بدين ، أو فرارا
من سلطان ، أو رغبة في حياة أفضل ، جاءوا جماعات وأفرادا ؛ قبائل الرعاة، الزراع ،التجار العلماء والزهاد الدعاة والحجاج إلى بيت الله الحرام . عابرين أو مستقرين .
وإن ما أجمعت عليه كل روايات المؤرخين أن الإسلام في السودان قد انتشر سلماوتدرجا
وبمدارس دعوية مختلفة المشارب والصور من حيث الإعتقاد والفقه والفهم والسلوك والتعبير فقد تغلغلت الدعوة الإسلامية بتعاليمها وسط مكونات المجتمع السوداني آنذاك ، والذي كانت تمور فيه خلائط من تعاليم المسيحية الحاكمة والطقوس الفرعونية والوثنية الشائعة بعاداتها
وتقاليدها ، فظل الإسلام يتعايش معها قرونا بين القرنين الأول والثامن الهجريين .
فلم تلبث أن تهاوت كل تلك الممالك المسيحية
السودانية القديمة بين يدي الكيانات الإسلامية الناشئة ، وهي عبارةعن المشيخات والمكوكيات والممالك الإسلامية ، ومن أشهرها وأعمقها أثرا السلطنات : الزرقاء ، والفور ،والمسبعات، وتقلي وأبوسنون .
ولكنها ممالك سادت سلما دون غزو أو حروب مذكورة ، بقدرما كانت نوعا من التوارث بين
مجتمعات ناهضة وأخرى غاربة .
وكان في ختامها وقمتها ، الثورة المهدية”كأول جهد إسلامي سوداني شعبي خالص كاد أن يؤسس دولةللمسلمين بأرض السودان المعروفة اليوم ، فقد استقطبت الثورة المهدية الشعبية الإسلاميةاستقطبت ولاء معظم قادة وشعوب تلك الممالك الإسلاميةوالمشيخات وقد بسطت نفوذها على أراضيها ، بل وسعت الثورةالمهدية بالدعوة سلماأو غزوا – بالفعل – إلى ماوراءأرض السودان . لولا أن عاجلتها يد الاغتيال الدولي الخارجي . وبالغدر والتنازع والتفرق فالكوارث داخليا . ولما يمض على قيام الثورة المهدية الإسلامية الشعبية ، وعلى تأسيس دولتها لأكثر من عقدين فقط من الزمان .
ونعني ب ” حركة الإسلام ” كل تلك الكيانات والأجسام التي أبدعها المسلمون بغرض الدعوة إلى نشر الإسلام من طرق صوفية ومراكز تعليم أو للذكر والعبادة أو أي جهود أخرى بذلت من أفراد وجماعات وغير ذلك . قام بها المسلمون طوال تلك الحقب من الأزمنة ، أي منذ القرن الأول للتاريخ الهجري إلى حين إعلان استقلال السودان عام ١٩٥٦م .
فأنا هنا لا أتتبع وقائع تاريخية تفصيلا ولكني ألتمس بعض آثار تلك الوقائع وما أحدثته من متغيرات مشهودة أو ما نقدر أنها كانت كذلك أو نحوها.
فالممالك الإسلامية السودانية ، في الواقع ما هي إلا ثمرة صادقة لجهاد “حركة الإسلام” في السودان عبر تلك القرون العديدة ، ولا شك أن هذه الممالك أيضا هي نفسها ثمرة للمجتمع الذي تشكل بجهد زمر الدعاة ؛ جماعات وافرادا من العلماء ، وشيوخ خلاوي القرآن ، وشيوخ لطرق الصوفية ، وشيوخ القبائل ، والتجار،
والرعاة وغيرهم من المسلمين .
ولو أمكن التعرف على أهم السمات التي تميز المجثمع المسلم السوداني الذي أخرجه جهاد
حركة الإسلام السلمي عبر تلك القرون العديدة ومنذ دخول الإسلام السودان ، نلاحظ مايلي :
* فهو مجتمع مسلم ، وقد تشوب عقيدته الإسلامية التوحيدية بعض معتقدات وتقاليد وعادات فرعونية أو مسيحية أو وثنية جاهلية.
* وهو مجتمع لم يشهد في تاريخه المديد
وعلى مختلف العهود التاريخية التي عاشتها
“الشعوب السودانية” في أرض ذات مساحات جغرافيةواسعة ومناخات متنوعة وأنهار وبحار — مليون ميل مربع –؛ فمنذ ما قبل الإسلام وما بعده لم تعرف شعوب السودان المسلمةمايعرف ،، بالوحدة الوطنية،، ولم تعرف سلطة مركزية تكون قد انتظمت أرضه بحدودها المعروفةالآن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه . إلا في عهد الإحتلال الإنجليزي-المصري المستعمر المستغل ولفترة وجيزة لم تدم إلا لأقل من نصف قرن تقريبا .
فربما يلتمس الباحث عن ،،وحدة وجدانية،، بين الشعوب السودانية إبان عهدي الممالك المسيحية أو الممالك الإسلامية ، فقد يجدها وقد لا .
فالممالك الإسلاميةعلى تعددها وانتشارمواقعها في جميع أنحاء السودان شرقا وغربا شمالا وجنوبا وفي مساحات ساشعة من أرضه إلا أنها كانت ممالك صغيرة متشرذمةولذلك لم تستطع أن تمنح شعوب السودان دولة موحدة مسلمة أوغيرها،ربما لضعفهاثقافياواجتماعياواقتصاديا وقد ترجع أسباب هذا التشرذم إلى مدىالحرج الذي قد يشعر به الحاكم المسلم ، وهو يفكر في
غزو المملكةالإسلامية التي تجاوره ، فيكف عن
عزمه .
* لكن الحمدلله فإن الحركةالإسلاميةالمعاصرة
بالسودان قد ورثت مجتمعا سودانيا مسلما. فمهما شابه من القصور إسلاميا وفي مناح متعددة إلا أنه كان مجتمعا معافى كثيرا من أسوأ العلل التي أصابت بعض المجتمعات الإسلامية وأخطرها ، وهي سلامة المجتمع السوداني المسلم وبراءته بفضل الله ، من علل التمزق الملي الطائفي :
” فهذا سني وذاك شيعي” ، وبأن جعل الله كل مسلمي السودان لا يعرفون شيئا من ذلك ، بل وإنهم لموحدون حتى في مذاهبهم الفقهية .
وإنما علة مسلمي السودان في أنهم لم يرثوا تراث شعب موحد اجتماعيا وسياسيا، ولم تكن لهم من وحدة تدعمهم إلا آصرةالقبيلةالمحدودة
ومن عللهم كذلك أن صفوة ونخب هذا المجتمع السوداني المعاصر قد صنعوا على عين المحتل الإنجليزي ، ثقافة وأخلاقا ، واشربوا قلوبهم حب الدنيا والتنازع في متاعها ، وغذوا عقولهم بأهداف تضلهم عن جادة أمتهم المسلمة ، بل وأوهمتهم أن لانجاة لهم إلا بسلوك نهج المحتل الذي يجعل دينهم الإسلام وراء ظهرهم منبوذا .
وللأسف؛ فقد صارت عامة المجتمع السوداني المسلم أسرع استجابة لنخبها فكان مصيرها كالمستجير من الرمضاء بالنار . فعلة المسلمين بالسودان تكمن في نخبهم وصفوتهم ،فهي أبدا فاشلة لما استحلت التنازع والتفرق .
يقول الله سبحانه وتعالى :
(ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لا يعلمون ،
التعليقات مغلقة.