سياحة في أدب الحكم والسياسة قرأت لك عن العلمانية من الفقه السياسي للشيخ الترابي بقلم د . أمين محمود محمد عثمان
ماسة نيوز
بسم الله الرحمن الرحيم
الفقه السياسي الاسلامي ؛ فقه لبيان عقيدة المسلم في السياسة ، فمتوجب على كل مسلم تَعَلُّمَ كيف يتديّن في السياسة من خلال تحديد مواقفه السياسية على ضوء الاسلام .
والعلمانية مصطلح معبر عن اللّا دينية السياسية ، وانبعثت دعوتها في الغرب نتيجة للصراع السياسي ثلاثي الابعاد الذي نشب ما بين الملوك المستبدون والكنيسة والشعوب التي عانت منهما .
الملوك الطغاة استقووا بالحجة الدينية فادعوا لأنفسهم حقا إلاهياً مطلقا ليحكموا زاعمين بأن الله قد فوضهم من دون سائر العباد ، وانه منحهم السلطة المطلقة . فهم ظل الله في الأرض حتى إذا ما غلبوا الشعوب انقلبوا على أهل الدين فاستعنوا عن الحجة الدينية في دعايتهم واسندوا مصدر حقهم للحكم الى الطبيعة . والثوار الشعبيون الذي غلبوا الملوك تمسحوا لذلك مسوح الدين لمباركة ثوراتهم ، ولكن سرعان ما تغولوا على الحق الطبيعي للانسان حتى انتهى بهم الحال الى الدعوة بطلاقة الارادة الوجودية للانسان ! فجمعهم وظّف الدين تذرعاً للحصول على المشروعية .
الكنيسة كانت تدعي سلطانا روحيا مطلقا وكانت تحتكر المعرفة بالدين وتدعي الشفاعة والغفران والرحمة مقابل مال تدفع لها ، وكانت تتحكم في المحاكمات بمقتضى القانون الكنسي فقامت محاكم التفتيش كلها بمباركة الكنيسة .
وفي العالم الاسلامي وعلى غرار نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ( ستتبعُنّ سنن الذين من قبلكم ، فلو دخلوا جحر ضبّ لدخلتُموه ) ؛ تم التقليد الاعمى للغرب في اللا دينية السياسية ، فبالدعاية الكاذبة حشدوا أدلة التضليل لابناء المسلمين مستغلين ثقوب المعرفة بالاسلام التي أوجدوها بتجهيل المسلمين بدينهم ، فقاموا بتنسيب المنجَذَبات ؛ كالعدالة والمساواة ، وحقوق الانسان ، والحرية والديموقراطية وغيرها من القيم ؛ حصراً للعلمانية. وقاموا بدعاية تجريد الاسلام واستلابه من هذه القيم التي تمثل جوهر رسالة الاسلام ، ليظهروه خِلواً من تلك القيم .
منهج ترويج العلمانية أحدثت توتراً شديداً في المجتمعات الوطنية الاسلامية بالدرجة التي أثارت الخوف على الوحدة الوطنية وعلى الاستقرار السياسي . ويُمتحن المسلمون في جميع اوطانهم بمقايضة غريبة تدعوهم الى تجاوز الدين والإخراج الكامل للدين من كل الحياة العامة ، والتعويل فقط على الولاء للوطن إذا كانوا يريدون وحدة اوطانهم !
هذه المعادلة هي التي تحدث الاختلافات العميقة في سائر البلاد الاسلامية ، وإنما يتغذى الاختلاف من تسفيه العلمانيين وحجرهم على عامة الشعب في هذه البلاد وحرمانهم الشعوب بأن يقرروا بطوعهم وحريتهم عن رأيهم في العلمانية ، كذلك نرى أن قضية الوحدة في بلداننا ؛ قضية تتحكم فيها القوى الاستعمارية التي صنعت حدود الدول والتي تمالئ وتنحاز للعلمانيين الذين يمارسون الابتزاز على الشعوب ويريدون مقايضة الوحدة بقبول اللا دينية السياسية في الحياة العامة .
وهناك من أُستُجِرّ للعلمانية ظناً بأنها خير مذهب لمعالجة استغلال الدين وتوظيفه لنيل مكاسب شخصية او فئوية انتهازية دنيوية ، ويطلقون على هذا المتاجرة بالدين . . وانما نقول لهؤلاء : لا تحاكموا الاسلام بسلوك من يدعيه ، فعند العودة لمصادر الاسلام ؛ ستجدون اولاً ؛ أن المعرفة للاسلام ليست حكراً لأي من كان ، وأنه ليس في الاسلام رجل دين يحتكر المعرفة ويوزع صكوك الغفران ، وسلوك كل مكلف معاير بمحددات الاسلام السلوكية وبتساوي الجميع ، والمتاجرة بالدين ليس نهجا اسلاميا إذا انطوى الفعل والسلوك على الاستغلال او الاستغفال أو إدعاء العصمة ، او دعوة الناس للبر وتناسي الذات لفعل ذلك البر .
إن مفهوم التجارة في الدين في الاسلام ؛ هي تقديم التضحيات في الدنيا لنيل الثواب في الآخرة ، فتك هي التجارة التي ترغبنا اليها آيات القرآن الكريم كما في قوله تعالى ( يا أيّها الذين ءامنوا هل أدُلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تُؤمنون باللهِ ورسولِه وتجاهدون في سبيلِ اللهِ بأموالِكُم وأنفُسِكُم ذلكم خير لكم إنْ كنتم تعلمون * ) الصف ( 10 – 11 ) فتلك هي تجارة الاسلام المرغوبة . أما استغلال الدين فمحرم بنصوص القرآن الكريم ، قال تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عِندِ اللهِ ليشتروا به ثمنا قليلاً فويل لهم ممّا كتبت أيدِيهم وويل لهم ممّا يكسِبون ) البقرة ( 79 ) صدق الله العظيم .
امين محمود محمد عثمان / 12 ديسمبر / 2022 م
التعليقات مغلقة.