شر البلية في الاجسام الوهمية/ الاستاذ عبد المنعم ابوبكر
ماسة نيوز: الخرطوم
كلما ازداد الهرج في البلاد،وادلهمت
الأجواء ، وغامت الأضواء ، ونشبت المعارك واشتدت في غير معترك ،بل وكثرت المصارع وازدادت ضحاياها وتناثرت بميادين السياسةالمضطربة يعمددائماالحزب الشيوعي السوداني العجوز- وإنطلاقا من إرث أجداده القديم – موعزا إلى أحد أبنائه غير الشرعيين الذين أنجبهم في الغرف المظلمة في حواري وأزقة نضالاته وكفاحه الطويل المرير ، عاملا ناصبا
عبرالسنين، ليصلي نفسه والخلق من بعده نارا يشعلها بنفسه أوبأحدهؤلاء الأبناءغير البررة ومنهم الإبن الدعي المسمى”تجمع المهنيين السودانيين ” ليطل برأسه المنشق وبلونه المربد في بساط من الحمرة المقززة ، ملقيا في بحر السياسةالسودانية طوقا ما أسماه بمقترح :
( الإعلان السياسي لاستكمال ثورة )
( ديسمبر المجيدة )
وكان إعلانا سياسيا فطيرا ضعيف المبنى والمحتوى، مصطلحاته مبهمة متناقضة يمسك بعضها بخناق بعض في تنازع قد يغرق البلاد في مزيد من الإضلال والتوهان . مثلما انتهى إليه ميثاق قوى الحرية والتغيير من تمزق أهلك قحت الأول وأدى بعناصرها إلى تخاصم وتدابر وشتات ، بل ولم يلبث ظهور هذا الإعلان في وسائل التواصل مليا حتى تلاحقت الإشتدراكات والتصحيحات من مؤلفيه ومحرريه فما زادوه غير تتبيب . مقصيا وعن عمد الجيش السوداني وسائر القوى السودانية النظامية المسلحة كأنها لم تكن أحد مكونات الشعب السوداني الثائرة والأصيلة . والحال أن حقيقة هذا الإعلان الفج قدطرح خصيصا ليكون طوق نجاة للحزب العجوز الذي صرعته حبائل لعباته السياسية والتي أبدعها إبان خداعه لثوار ديسمبر الشباب، منتزعا قيادها من أيديهم ، وبتحايله على حلفائه أثناء مشاركتهم فترة حكمهاالقصيرة، حقا فقد برع فيها بأن لعب دوري الحاكم والمعارض ، ولكنه قد تردى بينهما مفضوحا ساقطا ، فلعلها كانت سقطة الحاذق الأبدية ،ولكن على الرغم من ذلك فلا يزال العجوز سادرا في غيه متشبثا بمطامعه ، لم يتعظ ولم يكتف بسرقته الكبرى للثورة حين سرقها ورفاقه من بين يدي الثوار ليغنم المال ، والمناصب ،
والسلطان ، ثم حشر فيها أزلامه بظلم وعلى مذابح الضعفاء الأبرياء من موظفي الدولة بلارأفة ولارحمة، بل واقترف حينها من جرائم الإقصاءالأليم بحقد وتشف ،
ظنها تمكينا ، فكانت العاقبة فشلا ذريعا في كل شيء ، وفسادا ممنهجا في العلن والخفاء ، ومن مر ثمارها شعبا ممزقا،
وغرسا في قلوب الألوف ، كراهية وبغضاء. وقد عمدإلى تعميقهما بين كل كيانات الشعب بقساوة حيف يزري بالعدالة ،
وبزرع فتن سوداء قد أثارها بينهم ،
تحقيقا لنظرية وفرية “الصراع الطبقي”
التي يؤمن بها الحزب العجوز فلسفة ناجعة قد تحل مشاكل الشعوب المستعصية فافترض وجودها جزافا، تهيئة وخلقا لأنسب الأجواء التي قد تمنحه فرصا
للحياة من جديدليعيش منعما ناميامزدهرا ، ثم ليعيث بعدها فسادا هو أشد وأنكى .
فأنظروا إلى ديباجة هذا ” الإعلان السياسي”ثم تأملوها فماذا تدركون؟
فقد جاء فيها :
( نحن الموقعين على الإعلان السياسي لاستكمال ثورة ديسمبر المجيدة ، من قوى المقاومة الشعبية ،والسياسية والإجتماعية والنقابية والمطلبية، الحريصة على التغيير
الجذري ، قوامه دولة المواطنة ومساواة المواطنين في الحقوق والتوزيع العادل والمتوازن لثروات البلاد ، والقطيعة التامة
مع كل أساليب وظلامات الدولة الوطنية
منذ الإستقلال، نؤكد على النضال عبرالعمل
المشترك والمقاومة السلمية على إسقاط المجلس العسكري ، وتحقيق أهداف هذا
الإعلان ، والمفصلة في وثيقة ” استكمال ثورة ديسمبر المجيدة ” ) إنتهى النص.
وللفائدة نشير بإيجار إلى بعض أهم نقاط المحاور الخمس التي تضمنتها اهداف مقترح الإعلان السياسي لاستكمال الثورة :
* حماية استكمال الثورة بالمقاومة السلمية
ولإسقاط إنقلاب المجلس العسكري ولإقامة سلطة مدنية خالصة إنتقالية لمدة أربع سنوات ،ولإلغاء الوثيقة الدستوريةعام ٢٠١٩ وكل ما تأسس بموجبها.
* تختار القوى الموقعة على هذا الإعلان السياسية ( الحزبي النقابي ) كل الأجهزة التشريعية ،والسيادية التشريفية والتنفيذية وتلزمهم بما ورد في الإعلان السياسي من شروط، وسياسات وأهداف .
* إتباع الجيش وسائر القوات الأمنية ، بعد أعادة تكوينها ودعمها بالعناصرالشرفاء الذين سبق أن أحيلو ا إلى الصالح العام ، يجب إتباعها لمجلس الوزراء المدني على أن يكون رئيس الوزراء المدني هو القائد الأعلى لها، وعلى أن يمنع الجيش من ممارسةأي نشاط اقتصادي كالإستثمارات والشركات التجارية وتؤول كلهاإلى وزارة المالية،
ولا يسمح للجيش إلا بما يتعلق بالتصنيع الحربي ومهماته فقط.
* تصفية جهاز الأمن ، ومحاسبة عناصره
على ما اقترفوا من جرائم إبان العهد المباد على أن يعاد تكوينها فتقتصر مهامهاعلى جمع المعلومات وتحليلها ، ثم رفعها إلى الأجهزة التنفيذية المدنية .
وهنا لا بد أن ننوه إلى بعض النقاط وأحسبها مهمة تنويرا ، والله أعلم :
أولا ؛
* النقابةالمهنية:هي التي تضم تحت لوائها أصحاب المهنة المعينة ، أو هي مقتصرة على جزء من حقل مهني عام، كالأطباء البشريين أو البيطريين . أو هي نقابة عامة تضم كل أفرع المهن الطبيةالتي تنتمي إلى الحقل الطبي العام مهنيا وفنيا؛ بشرية ، بيطرة هندسة طبية ،تمريض، صيدلة..الخ
* أماالإتحادالعام المهني ؛فهوالإتحاد المهني الجامع لكل النقابات المهنية ذات الإختصاصات المختلفةبالحقول المهنية المختلفة ، بالدولة بالمستوى القومي أو الولائي أو الوزاري…الخ
وعليه فكل تجمع مهني أو تجمعات، منعزلة عن النقابة العامة أو الإتحاد العام ؛ فما هي إلا كيان أوكيانات قد تنتحل سمت النقابة أو الإتحاد متدثرا بالمهنية زورا وبهتانا فلا عجب إذن أن يكون بعض أعضاء هذا التجمع، أعضاء كذبا ، فقد تجد فيه عاطلا باطلا مع أطباء ينتمي إليهم زورا وربما يتوسطهم ويتسلم قيادهم . وذلك لإنعدام ضوابط التثبت من حقيقة العضوية ، ولأن مثل هذه التجمعات لا تكون وفق قوانين الدولة،فمنشأها عشوائي ومنشئها عدواني وبدافع محض سياسي ،وهي غالبا ما تكون ذراعا فاعلا لأحد أو بعض الأحزاب السياسية كماهو ظاهر في واقع الحال وبالتالي تكون مناشطها دائما سياسية ولا علاقة لها بالأهداف والمهام وكل الضوابط النقابية المعروفة، فسيشار إليها لاحقا إن شاء الله.
ويلجأ كثير من الساسة إلى استغلال
هذه المجموعات المهنية لتأثيرها البالغ في تسيير مناشط الدولة بتحريك دولاب العمل ولما تجده من تقدير واحترام من قبل المجتمع نظير صيتها.كوسيلة فعالة للضغط على الخصوم السياسيين.
* وإن خطورة إنحراف العمل النقابي
إلى العمل الحزبي السياسي ، لا تقف
آثارها عند إلحاق الضرر بعضوية النقابة مجتمعة، كما سبق أن أشرت ، ولكنه يضير أيضا وقوميا بمصالح البلاد ، ومن أخطر آثاره إذكاء الفتن للخلافات وتعطيل الأعمال وفوضى الأضرابات لغير ما عائد يعود بالخير للعاملين ولا للمجتمع ولا للدولة الوطنية . فكل المؤسسات القومية المهنية لا تصلح لأي عمل سياسي حزبي مطلقا. ومن أشد المؤسسات خطورة ؛ بالطبع القوات النظامية المسلحة، والخدمة المدنية العامة ، ثم تليهما الإتحادات والنقابات المهنية . ولكن الأحوال الوطنية قد تفرض عليها اللجوء إلى مقاربة العمل السياسي في القضايا القومية العامة والتي تجمع عليها الأمة بأسرها للتصدي بخطر محدق فعندئذ لا يستثنى أحد من العمل السياسي .
إذن فما هو السر وراء ظهور هذه “التجمعات المهنية” مجهولة الهوية
فكرا وقيادة والتي امتهنت السياسة الحزبية بالسودان؟ ومنذ عقود من الأزمنة . وهي تخوض في فوضى عارمة تتحالف سرا وعلنا مع من تشاء من الأحزاب، وتعادي سرا وعلنا كذلك؟
فالسر هو الإنتماء السياسي الحزبي ليس غير،وقد تذكيها الغفلة والطمع والإستغباء وكثيرمن مزالق الشهوات
وإن كلمة ” تجمع ” وأمثالها كجبهة،
وهيئة ،إتحاد ، مهنية تقدمية،رجعية
ديمقراطية، وطنية ، مدنية، وشعبية ودكتاتورية..الخ.
وقد تضاف إلى بعض تركيبات هذه الكلمات لفظة “سوداني” وغالبا ما تكون تمييزا لها في أي شعب وبلد قد أستخدمت ، فهذه المصطلحات تكاد تكون حصريا في الأدب السياسى اللينيني المركسي مثل ؛
“تجمع المهنيين السودانيين” أو
“تجمع المهنيين التشادييين ” أو
” الإتحاد النسائي السوداني” أو
النسائي اليمني ….الخ .
وربما يظن الماركسي أن هذه كلمات ذات وقع سحري وجاذبية فكرية عالية ومقنعة في الحوارات الجدلية بل ويزيدها ألقا لما تتمتع به من إبهام وغرابة وإيهام وأنها غير منضبطة المعاني واضحة الحدود وبذلك تتيح لمتعاطيها كثيرا من فرص التحايل والخداع واتخاذ المواقف الإدعائية الكاذبة.
*فلماذا ابتدع الناس أوعية النقابات
والإتحادات المهنية ؟ ولماذا ارتضوا
نظمهافاجتمعوا تحت ظلهاوتوحدوا؟
رغم أنهم يعلمون علم اليقين ، أنهم
مختلفون أحزاباوعقائدوآراءوأمصارا ولغات ، وسحنا ،وأحوالا:
(فلكل حزبه والنقابة للجميع )
ويعود الأمر لسببين أساسيين هما :
أ/ أن الإتحاد والنقابةكليهما تحميان أعضاءهما اجتماعيا، وتعينانهم ماديا
تدافعان عن حقوقهم نقابيا وقانونيا كما تعملان على تطوير قدراتهم مهنيا وفنيا ، وعلى تحسين دخولهم ماديا وتحسين بيئةالعمل ورعايتهم صحياوأي خدمات في مجالات أخر.
ب/ كماأن الإتحادات النقابيةالمهنية لا تتدخل ولاتزج بنفسها ولا بأعضائها في ممارسة العمل السياسي الحزبي بصفة مطلقة ،لعلم قيادات الإتحادات والنقابات المهنية مسبقا، بأن جميع أعضائها لاينتظمهم حزب واحد،ولا فكر، ولاعقيدة ، ولاهدف، يجمعون عليه خارج إطارهم المهني .
كمايعلم كل القادةالنقابيين وجميع الأعضاء ، أن خلط العمل السياسي الحزبي بالمهني النقابي، يضره أيما ضرر ، ولأن العمل المهني يقتضي بالضرورة الحياد التام بين كل أفراد الشعب بمختلف مشاربهم، فكرا وثقافة وأحزابا سياسية، وقطاعات اجتماعية ، و لأنه يضر أول من يضر بأعضاء الإتحادات والنقابات المهنية أنفسهم أذ يجعلهم مطية لغيرهم ،
ويفجر الخلافات فيما بينهم تبعا لإهوانهم السياسية المختلفة ، فتوهن قواهم وتفرق وحدتهم يتنازعون ويفشلون وتذهب ريحهم .
ثانيا :
*إن مااحتوته ديباجة مقترح الإعلان السياسي من خلط للعمل الحزبي السياسي بالعمل النقابي المهني ، وهو نفس الخطأ الذي أودى بقوى الحرية والتغيير
– قحت الأولى – لما أصابها من خلل في التوازن بين عناصرها المكونة ، ناهيك عما بينها من خلافات فكريه وثارات تاريخية لعدوات متأصلة ، فالذي وحد بينهم ظاهريا هو كراهيتهم للإسلام ، وعمالتهم لعدو الإسلام الأ لد .
إن الإعلان السياسي المقترح حاول أن يصمم مقاومة شعبية ، موهومة ذلك بإعادة بنائها من نفس عناصر قحت الأولى الهالكة والتي فشلت في جميع الميادين .
فإنها لمقاومة واهية في مواجهة عدو “وهمي” ، لا وجود له في السودان لادستوريا ولاقانونيا ولا واقعيا ، وذلك حين دعا الإعلان السياسي إلى إسقاط إنقلاب ما يسمى :
” بالمجلس العسكري”
في حين أنه لايوجد في البلاد جسم بهذا المعنى خاصة في إطار الجيش سوى مسمى :
(القائدالعام للقوات) (المسلحةالسودانية)
وماينسب إلى القائدالعام من قرارات
اتخذها لتصحيح مسار الثورة.
*كمالم يخف الإعلان نوايا مقترحيه العدوانية تجاه كل ما هو عسكري !
* فمن الذي منح أو يمنح تلك القوى الموقعة على ( الإعلان السياسي
لاستكمال ثورة ديسمبر المجيدة )
والذي يجول حتى الآن في عالم خيالات وأحلام صائغيه ! فمن الذي
خولهم كل هذه السلطات المطلقة : لوضع المراسيم الدستورية للبلاد ، ولاختياركل أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية،والعدليةوالتحكم المطلق في جميع القوات النظامية المسلحة تسريحا وتصفية وتنظيما، ودعما لها بالشرفاء،ولإعادة بنائها بالكامل.. الخ وكل ذلك أن يتم خلال مدة أربع سنوات ، ودون الإشارة إلى ما يليها من المآلات.وأيضا دون أي ذكر لدور الشعب السوداني العظيم !!
فضلا عن عدم أي أعتبارلدورالقوات
المسلحة الشريك الأكبر في إنجاح
ثورة ديسمبر المجيدة.
* ولأول مرة يظهرالإعلان السودان كدولةللحقوق فقط ، وبلا واجبات ، ولكن لقدخاب حدس مؤلفي مقترح الإعلان السياسي ، حيث دعوتهم إلى ضرورة إلغاء الوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩م ، ذلك نكاية في قيادة القوات المسلحة وإنهاء لأي نوع من المشاركة بينها وبين القوى المدنية “الحية”لكن تأتي الرياح بمالا يشتهي السفن، لقد كانت قرارات القائدالعام للجيش السوداني الأخيرة، قدجاءت لتصحيح مسارالثورة وكانت رجوعا أصيلا وتمكينا للوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩م ، وعلى ذات الوجه آلذي ارتضته جماهيرالشعب أولا. ولإزالة من خان مبادئها ، ثانيا. ولمراجعة كل ما أسسته قحت الأولى باحقاق الحق وإبطال الباطل أن الباطل
كان زهوقا ، ثالثا.
وكان الله من وراء القصد
وهو يهدي السبيل.
التعليقات مغلقة.